الانتخابات فوز وخسارة، ونحن بشر نخطيء ونصيب، والاعتراف بالخطأ افضل من التعكز على نظرية المؤامرة، ومن الآن وحتى الانتخابات المقبلة يجب بالتخطيط والاجتهاد وتصحيح الأخطاء، هذه الطريقة أفضل بكثير من المهاترات الإعلامية لأنها تتسبب بخسارة من يقوم بها أكثر من خسارة غيره...
أفرزت نتائج الانتخابات سقوطاً مدوياً لبعض القوائم الانتخابية الكبيرة مثل تحالف الفتح الذي يضم تشكلات الحشد الشعبي الرئيسية بزعامة هادي العامري وقيس الخزعلي فقد حصلت قائمة الفتح على 16 مقعداً وفق النتائج الأولية، ثم صعدت إلى 20 مقعداً، لكنها تبقى أقل من نصف المقاعد التي كان يحتلها الفتح خلال الدورة البرلمانية السابقة.
وفي الدوائر الانتخابية الغربية سقط تحالف عزم الذي يقوده خميس الخنجر حليف هادي العامري وخصم رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، فقد حصل على 14 مقعداً، وفق النتائج الأولية، وقد تزيد أو تنقص قليلاً بعد فرز جميع المحطات الانتخابية.
على مستوى الصدراة، الكتلة الصدرية بزعامة السياسي ورجل الدين السيد مقتدى الصدر اكتسحت الدوائر الانتخابية الجنوبية، وتصدرت النتائج بفارق كبير عن أقرب المنافسين في الجنوب، فقد حازت على 73 مقعداً حسب النتائج الأولية ثم انخفضت إلى 70 مقعداً، لكنها تبقى أفضل من الدورة البرلمانية السابقة التي كانت مقاعدها 54 مقعداً بالمشاركة مع الحزب الشيوعي العراقي.
ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي كان أحد أبرز الفائزين في هذه الانتخابات، فقد ارتفع عدد مقاعده من 25 مقعداً في الدورة السابقة إلى 37 مقعداً، ومن المرجح أن تصل الى 40 بعد فرز جميع المحطات.
وفي المناطق الغربية حققت قائمة تقدم بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي فوزاً كاسحاً على مستوى الدوائر المنشرة فيها، بواقع 38 مقعداً وهو رقم كبير مقارنة بحجم المنافسة مع قائمة عزم التي يقودها خميس الخنجر.
الانهيار الكبير كان من حصة تحالف قوى الدولة الوطنية بزعامة عمار الحكيم وحيدر العبادي، فقد كان هذا التحالف يملك في قائمتين منفصلتين ما مجموعه 60 نائباً في الدورة البرلمانية السابقة.
أما الآن فقد حصل على أربعة مقاعد فقط، قد تزيد مقعداً أو مقعدين في حال فرز جميع المحطات الانتخابية.
وفي مفاجآت القوائم الجديدة برز اسم حركة امتداد بقيادة الصيدلاني علاء الركابي فقد حصدت قائمته تسع مقاعد، اعتبرت منجزاً مقارنة بحجم الحركة الجديدة وقلة الدعم المالي لها.
بينما كانت إشراقة كانون حتى يوم الاقتراع غير معروفة، ولا تثير أي مخاوف من قبل القوائم الكبيرة والمتوسطة، لتقتحم المشهد الانتخابي بحصدها ستة مقاعد، وهو ما دفع بعض قوى الحشد الشعبي إلى شن هجوم شرس عليها، واتهامها باستغلال واجهات دينية لتحقيق الفوز.
دروس انتخابية
الحديث عن انتخابات تشرين 2021 هو حديث عن مستوى عالٍ من التنظيم والضبط، الذي وفر بيئة مناسبة لتصويت المواطنين (رغم ما احدثته قوى الحشد الخاسرة من زوبعة في اليوم الثاني من اعلان النتائج وتشويش على النجاح الكبير للمفوضية) لكن ذلك واردٍ في اعظم الديمقراطيات كما حدث في أميركا مؤخراً.
الصعود لبعض القوائم والهبوط المدوي لبعضها الآخر، له دلالات واضحة، على القوائم الخاسرة الاستفادة منها، وعدم تضييع الوقت بمعارك إعلامية لا تغني ولا تسمن، فهناك أربع سنوات مقبلة يستطيع الجميع إعادة ترتيب أوراقه والفوز بالانتخابات شرط استمرار نفس النمط الذي سارت عليه المفوضية الآن.
نقدم هنا أبرز الدروس التي افرزتها هذه الانتخابات وهي كالآتي:
الدرس الاول: من يتعكز على نظرية المؤامرة يخسر
أغلب القوائم الخاسرة كانت تتعكز على نظرية المؤامرة في تفسير الأحداث السياسية، ولا ترهق نفسها في البحث عن الأسباب الحقيقية لما يجري من تسارع للأحداث في العراق، وهو ما جعلها تعيش في عالم الأوهام، وأبعدها عن الواقع، فسقطت ذلك السقوط المدوي.
المثير للشفقة، أنها وبعد سقوطها عادت لتعزف على نظرية المؤامرة، لتعوض ما خسرته بسبب أخطائها السابقة، ظناً منها أنها تقنع الجمهور بهذا الأسلوب.
إذا أرادت هذه الكيانات والقوائم الانتخابية تحقيق الفوز في الانتخابات المقبلة، فعليها الإقلاع عن نظرية المؤامرة.
الدرس الثاني: من يترك جمهوره يخسر
أغلب الجهات الخاسرة تركت جمهورها وابتعدت عنه، فيما تمارس السياسة العالية، وفي هذا الشأن نقسم الخاسرين إلى نوعين:
النوع الأول الذي يمارس الاستعراض السياسي العالي، عبر المؤتمرات والندوات النخبوية، كما كان يفعل عمار الحكيم وحيدر العبادي اللذان يتزعمان قائمة قوى الدولة، بينما أهملوا جمهورهم بشكل تام.
النوع الثاني، الذي كان يمارس سياسة التهديد والوعيد والانصهار في منظومة التحالفات والصراعات الإقليمية، التي أبعدته كثيراً عن تطلعات جمهوره في تحقيق أبسط الاحتياجات.
من واجب الطرفين، أصحاب المؤتمرات النخوبية الكبيرة، وأصحاب المحاور الدولية، العودة إلى جمهورهم، لأنه هو الوحيد الذي سوف يعيدهم إلى مقاعد مجلس النواب.
الدرس الثالث: الخارج لا يعطيك صوتاً انتخابياً
هناك من تعكز على الإسعاف الذي يأتيه دائماً من الخارج، وهذا لا يمكن أن يحدث في كل مرة، لأن الانتخابات ممارسة سياسية داخلية مهما كان الفعل الخارجي قوياً.
وقد ينجحون في جلب الكثير من الخارج، لكنهم حتى وإن فعلوا ذلك، يبقى القرار النهائي والقناعة لدى الناخب الذي سوف يقلعهم إذا لم تعجبه طريقة التعكز على الخارج.
ومن الآن وحتى الانتخابات المقبلة، يجب على القوى التي تريد تحقيق الفوز عدم الاعتماد على المشاريع السياسية الخارجية.
الدرس الرابع: التنظيم أساس العمل السياسي
عندما تجد تحالفاً يقدم أربعة مرشحين في دائرة انتخابية شديدة التنافس، وهو يعرف جيداً أنه لا يستطيع الفوز إلا بمرشحين اثنين، فإنه سيشتت أصوات ناخبيه، ولا يحقق حتى الفوز بمرشح واحد.
هذا ما حدث في اغلب الدوائر الانتخابية لتحالف الفتح، لم يستطيعوا تقليص عدد المرشحين وفق ما تقتضيه ظروف قانون الانتخابات الجديد، إنما اعتمدوا العشوائية وسوء توزيع المرشحين فكانت النتيجة خسارة مدوية.
ليس هذا فحسب، بل انشطر جمهور تحالف الفتح وضاع بين قوائم انتخابية متعددة، والحديث عن قائمة حقوق التي مزقت تحالف الفتح وشتت جمهوره إلى أقصى قدر ممكن.
ولو أنهم انتظموا جيداً لحققوا مقاعد أكثر من الكتلة الصدرية بحساب عدد المصوتين، إلا أنهم شتتوا أصواتهم بين عدد كبير من المرشحين وهو ما ذهب إلى القوائم الأخرى.
من واجب هذه التحالفات إذا ارادت الفوز أن تكون أكثر تنظيماً وتدرس تعقيدات الدوائر الانتخابية قبل ترشيح الشخصيات المؤهلة لشغل المقعد النيابي.
الدرس الخامس: لا تعتمد على "المهرجين والإعلام التسقيطي"
الإعلام هو أُسُّ العملية الانتخابية، فهو يقدم صورة ناصعة أو مشوهة عن القائمة الانتخابية، وإذا كان الهَمُّ الأساسي للإعلام هو "التهريج" و"التسقيط"، فستكون النتيجة تشويهاً لصورة القائمة الانتخابية نفسها.
أنت عندما تركز جهودك على تسقيط غيرك، لن تدمر الغير، إنما تشتت تفكير جمهورك، وتعجز عن تقديم رؤية ثابتة على قاعدة رصينة من الأفكار.
ومن واجب القوائم الانتخابية التي اعتمدت التسقيط التوقف عن هذا الأسلوب لأنه يبعد الجمهور عنها، ويجعلها شديدة التوحش ومكروهة وغير قادرة على التفاعل الاجتماعي والسياسي.
الدرس السادس: المال لا يصنع الفوز
كلنا شاهدنا قصص تعبيد الطرق، وتنصيب محولات الكهرباء، وعمليات الختان الجماعي، وما شابه ذلك من أمور يراد بها شراء أصوات الناخبين بقوة المال.
وصل الأمر إلى شراء الأصوات بطريقة جديدة، بحجة مراقبي الكيانات السياسية يتم شراء الأصوات الانتخابية، فهل يعقل أن قائمة انتخابية تضع 300 مراقب كيان سياسي في مدرسة واحدة، يُدْفَعُ لكل شخص 150 ألف دينار.
الغاية كانت واضحة، أخذ تعهد على انتخاب مرشح القائمة.
هذه الطريقة لا تجلب الفوز، فقد فازت قوائم انتخابية لم تخسر إلا أجور البوسترات الاعلانية التي لا يزيد سعرها عن مليون ونصف المليون دينار، بينما خسر مرشحون عبدوا عشرات الكيلومترات من الطرق، ووضعوا آلاف المراقبين للكيانات السياسية.
ألاموال ليست كل شيء في الانتخابات، حب الناس لك هو رأس المال الأساسي والمكسب الأكبر لكل سياسي ناجح.
أربع سنوات كافية لتطبيق خطة العمل هذه، فالانتخابات فوز وخسارة، ونحن بشر نخطيء ونصيب، والاعتراف بالخطأ افضل من التعكز على نظرية المؤامرة.
ومن الآن وحتى الانتخابات المقبلة يجب بالتخطيط والاجتهاد وتصحيح الأخطاء، هذه الطريقة أفضل بكثير من المهاترات الإعلامية لأنها تتسبب بخسارة من يقوم بها أكثر من خسارة غيره.
اضف تعليق