إن القضاء على الفقر ليس عملًا خيريًّا، إنه عمل من أعمال العدالة، ما يعني ان من واجبات الحكومة القائمة في البلد هو توفير العيش الكريم لجميع أبناء الشعب ولا يوجد تميز او تفرقة بين عنصر وآخر، وهذا التمييز دفع بالجماهير الى الخروج بمظاهرات من اجل المطالبة بالعدالة...
العدالة من الكلمات التي يكثر سماعها في المجتمعات، وتُردد على ألسن الطبقات بشتى مستوياتها، لكن تبقى هذه المفردة تحمل المزيد من الغموض ولا يمكن ان نعرف حدودها ومديات تطبيقها، فالموظف يريد العدالة والإنصاف من قبل الحكومة، والعامل يريد الانصاف من قبل رب العمل، والمجرم كذلك يستجدي إنزال الحكم فيه وفق العدالة.
العدالة بمفهومها البسيط هي تصور إنساني يركز على تحقيق التوازن بين جميع أفراد المجتمع من حيث الحقوق، ويحكم هذا التصور أنظمة وقوانين يتعاون في وضعها أكثر من شخص بطريقة حرة دون أي تحكم أو تدخل، وهذا لكي تضمن العدالة تحقيق المساواة بين جميع الأشخاص داخل المجتمع.
بعد الانتقال في نظام الحكم بالعراق من النظام الشمولي الى الديموقراطي، الكل أصبح ينشد العدالة، او الاغلب الاعم تكوّن لديه تصور ان العدالة ستصبح من سمات الحكم الجديد؛ كون جميع الذين تسنموا زمام الأمور وضعوا تركيزهم في خطاباتهم الجوفاء، على العدالة المأخوذة من عدالة السماء، وهنا تحولت الابصار باتجاه الحكم الجديد وكيف سيتعامل مع هذا المبدأ ويطبقه.
الشعوب ومن بينها الشعب العراقي عادة تبحث عن الحكومات او الأنظمة التي توفر لها ما تريده من احتياجات، وبذلك لا تحصل هذه المعادلة بفقدان عنصر العدالة، فبالعدالة نحقق التوازن الذي يعتبر من الأهداف الكبيرة التي ينشدها الافراد بمختلف الانحاء، وبهذه العدالة نحقق السلام، وبها أيضا يطبق القانون على جميع افراد المجتمع دون تمييز او فارق.
هنالك وجبة او وصفة أساسية يمكن استخدامها وعن طريقها نصل الى بلد أكثر امنا وازدهارا وشعورا بالراحة، فاذا توفرت مكوناتها نستطيع تحقيق قدرا كبيرا من التوازن الحقيقي في المجتمع، وهي العدالة الاجتماعية والحكم العادل، أي ان الجميع سواسية امام القانون، ولا يمكن لاحد ان يفلت من العقاب مهما كانت مكانته، وعلا شأنه، الجميع بمرتبة واحدة امام القضاء لأخذ الجزاء عن تقصيرهم.
وهذا ليس بالشيء الجديد وهو توفير العدالة والحكم بالقسط بين أبناء الرعية فقد اكدت الشريعة السماوية على هذا المبدأ بالتحديد، اذ قال الله تعالى:﴿ وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾، وهو ما افتقدت اليه او غيبته القوانين الوضعية، فهي لا تزال غير قادرة على إيضاح او تطبيق هذا المفهوم الذي يعد من المفاهيم الأساسية والواجب تطبيقها في المجتمع.
وفي هذا الشأن يقول نلسون مانديلا إن "القضاء على الفقر ليس عملًا خيريًّا، إنه عمل من أعمال العدالة"، ما يعني ان من واجبات الحكومة القائمة في البلد هو توفير العيش الكريم لجميع أبناء الشعب ولا يوجد تميز او تفرقة بين عنصر وآخر، وهذا التمييز دفع بالجماهير الى الخروج بمظاهرات من اجل المطالبة بالعدالة الاجتماعية، وبالفعل كان لخروجهم مبررات لا يمكن انكارها او تجاهلها.
لم تخرج هذه الجموع لولا تخبط الحاكمين وابتعاد القوانين والأنظمة التي تضمن العدالة بين أبناء الشعب، ففي العراق لا يوجد توازن في التعليم، ومن لديه المال يحصل على أفضل الشهادات من ارصن الجامعات العالمية، ومن يفتقر لها يبقى تحت رحمة التعليم الحكومي الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وهكذا بالنسبة للصحة فقد يموت الانسان لفقره وليس لحالته الحرجة والامثلة على ذلك كثيرة.
لقد اعتمد المسؤول في العراق على منهج غريب في إدارة الدولة، وجعل الدستور يحتكر او يركز السلطة بيده، فمن الطبيعي ان تكون حماية حقوق الافراد منوطة بهؤلاء الاشخاص الذين اُولكت إليهم مهمة قيادة أبناء الشعب بالتساوي ودون تمييز، لكن لم تلتزم اغلب الحكام بالإنصاف والعدالة الواجبة، فقد حرمت طبقات كثيرة من حقوقها، وأتخمت أخرى بسبب قربها من المسؤول في مكان ما.
ان المجتمع الذي يفتقد لمعايير العدالة بمختلف اشكالها يخلق حالة من التباعد بينه وبين مكوناته، ويقود ذلك الى فقدان الامن بين الافراد، ويتحول المجتمع الى مجتمع الغابة التي يسود فيها القوي، ويسلب حق الضعيف الذي لا يجد من يدافع عن حقه او ينتصر له وآخرها الضياع امام موجات الباطل المترادفة.
في الأنظمة الديموقراطية ينظر لتطبيق العدالة على انها تكافؤ الفرص أي للجميع الحق في نيل المكاسب والحصول على الامتيازات، لكن هذه النظرة والتي تحولت الى شعار فيما بعد تثير السخرية او الضحك لخلوها من المضمون والنية الصادقة في التطبيق، وبقت مركونة على جدران الذاكرة العراقية الشعبية العراقية.
عندما نريد الحديث عن العدالة في ظل النظام الديمقراطي بالعراق، هذا يعني ان امامنا طريق طويل يتوجب علينا ان نقطعه، فلا عدالة دون تحقيق التوازن بالمعنى الصريح، كما يحصل التوازن في العمليات الفيزيائية او أقرب ما يكون من ذلك، ولكن يبقى الشيء الوحيد الذي علينا ان نعرفه ان العدالة المطلقة لا يجيدها الا الله وهو من يتفرد بها وكل عدا هذا يبقى عدالة منقوصة ولعلها تكون بداية جيدة لمجتمع مستقر ومتصالح مع نظامه السياسي.
اضف تعليق