الديمقراطية مذهب فلسفي يعيد أصل السلطة السياسية إلى إرادة العامة “إرادة الشعب” لأنه مصدر السلطات، وتعود على شكل النظام السياسي إذ نميز بين نظام سلطوي وآخر ديمقراطي، لكن مقصدنا هنا الحديث عن مضامين الديمقراطية كقيم ثقافية واجتماعية، فالقيمة الأولى هي أن الفرد بحد ذاته قيمة...
الديمقراطية مذهب فلسفي يعيد أصل السلطة السياسية إلى إرادة العامة “إرادة الشعب” لأنه مصدر السلطات، وتعود على شكل النظام السياسي إذ نميز بين نظام سلطوي وآخر ديمقراطي، لكن مقصدنا هنا الحديث عن مضامين الديمقراطية كقيم ثقافية واجتماعية، فالقيمة الأولى هي أن الفرد بحد ذاته قيمة، وحريته نقطة الانطلاق فلا يجوز تقييده أو تكبيله باسم السلطة ومن قبلها في مجالات الحياة وفضاءات السلطة، فهي أي الديمقراطية تروج لفكرة الحرية، وحق تقرير المصير، والاختيار، والاستقلال الذاتي المعنوي ومسؤولية الفرد عن اختياره، وحماية مصالحه والخبرات التي يشارك بها الآخرون، ناهيك عن احترام كرامة الإنسان كانسان بغض النظر عن عرقه أو دينه أو جنسه واحترام حرية الرأي والاعتقاد، والتعبير بكافة الإشكال وبقية الحريات كما هي الحقوق من مدنية وسياسية. الحقوق التي ولدت معنا والتي اكتسبت من وجود التنظيم السياسي الذي تطور مع تطور المجتمعات البشرية.
وفي الممارسة العملية فالديمقراطية تعني بأختصار شديد: البرلمان والحكومة مسؤولان عن حماية وتطوير النظام الديمقراطي، واستقلالية السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والفصل بين المهام الحزبية والتعليمات الحكومية، والسلطة السياسية وسلطة المجتمع المدني، وتوزيع وتقسيم السلطات على جميع المستويات الادارية في المناطق، ان البرلمان والحكومة مسؤولان عن اقامة دولة القانون واحترام سيادة القانون الذين يتوجب تنفيذه على الجميع على نحو متساو، واتباع المساءلة القانونية دون تمييز بين المناصب والدرجات الوظيفية في الحكومة او التمييز بسبب الانتماء الحزبي او الاجتماعي.
احترام وصيانة الحريات والحقوق السياسية والمدنية والحقوق والحريات الفردية، وحرية الاقامة وحرية الضمير والتعبير عن الرأي والفكر وحرية الاعتناق، تكريس ثقافة المعارضة المدنية والمعارضة السياسية و الثقافية والانتقاد كحق يمثل الوجه الثاني للمسؤولية، وضع نظام انتخابي شفاف ومتحضر، نظام يتسم بكل المعايير القانونية الدولية والتقنية لمنع كل اشكال الخروق والتزوير في عمليات التصويت، تكريس ثقافة القبول بالاختلافات على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، والقبول بالاخفاق الانتخابي والصراع السلمي وتداول السلطة في جميع المستويات السياسية، وتداول المسؤولية على المستويات الادارية والاجتماعية بين الاشخاص المناسبين وبين الجنسين والاعمار المتباينة.
الدعاوى من قبل الحكومة العراقية للمساهمة في الانتخابات القادمة لتغير واقع موازين القوى السياسية في البرلمان العراقي القادم هي دعاوى مشروعة ولكن عندما تقترن بأجراءات ميدانية تعكس قدرات السلطة التنفيذية لتوفير افضل الأجواء الأمنية لخوض الأنتخابات، فالأمنيات وحدها لا تحقق انتخابات ديمقراطية عادلة وخاصة ان التجارب البرلمانية السابقة فيها من المرارة ما يكفي لعدم الثقة بالحكومات وبالأحزاب المتنفذة في المشهد السياسي.
ان مطالب شعبنا في خوض انتخابات عادلة نسبيا يكمن في ما تقدمه الحكومة من خطوات جريئة، وفي ابرزها الكشف ومحاسبة عن قتلة المتظاهرين، منع السلاح المنفلت والميليشيات،
وتطبيق قانون الاحزاب الذي يمنع ذوي الأجنحة المسلحة لخوض الانتخابات، الاعلان الواضح عن رفض المحاصصة كنموذج قادم للحكم، خطوات جريئة في مكافحة الفساد والكشف عن رموزه وعدم الأكتفاء بالمطالبة الدولية بمكافحته، فالحكومة يجب ان تقدم للشعب ادلة ملموسة تؤكد مقدرتها في مكافحة الفساد بعيدا عن المراوغات الاعلامية والضحك على الذقون.
النظام "الديمقراطي" في العراق هو ولادة عسرة لتداعيات الاحتلال الامريكي له، حيث لم تكتمل عوامل النضج الذاتي والموضوعي لإختمار تجربة ديمقراطية تعبر عن تفاعلات القوى الداخلية في المجتمع العراقي، وبالتالي مما فسح المجال لقوى نشأت على خلفية انفعالية وليست سياسية، وكان ابرز سلوكياتها هو الثأر وعدم الاكتراث في بناء مستقبل أفضل!
اضف تعليق