ان السيناريو الثاني المحتمل لاشعال برميل البارود هو خروج السلاح من غمده دون وجود قدرة على ضبطه وعودته لموضعه المسالم، ان إدراك الطبقة السياسية لهذه المخاطر واستعدادها لتقديم تنازلات سواء للشارع التشريني، أو لبعضها البعض هو الضمانة الوحيدة لعدم اشتعال برميل البارود الذي سيؤدي انفجاره...
في نهاية شهر ايلول، استعرضت من على شاشة قناة التغيير عبر برنامج (رأيكم مع منقذ) ارقام مجموعة من الاستطلاعات في المحافظات الجنوبية التي توضح مقدار الغضب والشعور بالاحباط الذي تعرض له الشباب هناك. وقلت ان الحافز لاثبات الذات والشعور بالاهمية significance need هي احدى الحاجات الاساسية للانسان وبالذات في عمر الشباب والتي قد تدفعه لتحدي السلطة.
ابرز مثل على تأثير الشعور بالاهمية هو ما يفعله الطفل الاكبر من اثارة للانتباه، واحياناً للمشاكل، حينما يرى تجاهلا من الابوين له واهتماماً اكبر باخيه او اخته الصغيرة. وكلما زاد مقدار التجاهل من قبل السلطة (الابوين) للطفل كلما ارتفعت الحاجة لاثارة الانتباه عنده، ربما عبر تكسير الاشياء او السلوك العنيف! هذا لا يعني ان ابطال تشرين يتصرفون كالاطفال، بل يعني انهم يسلكون سلوكاً انسانياً طبيعياً للتعبير عن غضبهم وامتعاضهم من الشعور بالتجاهل التام لذواتهم وحاجاتهم من قبل الطبقة السياسية الحاكمة. لذلك قلت في نهاية تلك الحلقة التلفزيونية، مخاطباً الطبقة الحاكمة، انتظروا الانفجار، وقد حصل فعلا.
استطلاعات رأي
اليوم وبعد قراءة لنفس الارقام والمؤشرات عبر سلسلة من استطلاعات الرأي العام الجديدة التي اجراها فريقي البحثي في نفس المناطق، فلن أكرر ماقلته (انتظروا الانفجار) بل أتساءل اليوم: من سيشعل برميل البارود الذي تراكم عبر السنين الماضية؟ ويبدو زمان ما بعد الانتخابات هو الاكثر ملائمة لحدوث الانفجار. فتلك النتائج فضلا عن انها لن تأتي بجديد ولا اي تغيير، فأنها ستُحبط المزيد من الشباب الذين ما زالوا يؤمنون بالديموقراطية وصندوق الانتخاب كوسيلة للتغيير، وبالتالي ستضيف زخما جديداً لتشرين.
ان الاستطلاعات الاخيرة تُظهر ان هناك واحد من كل اربعة اشخاص في الجنوب ما زال يؤمن بقدرة صندوق الانتخاب على احداث التغيير. مقابل ذلك فان هناك حوالي ثلاثة من كل اربعة يؤمنون بان الشارع هو الوسيلة الاجدى للتغيير.
فأذا لم تأت نتائج الانتخابات، وكما هو متوقع بجديد، فان عدد آخر من ال 25% ممن يؤمنون بالصندوق سيضافون الى الذين يؤمنون بالشارع. فأذا علمنا ان هناك نسبة كبيرة من الشباب ممن لا يرون في المستقبل اي بارقة أمل كما تظهر اجاباتهم على مجموعة من الاسئلة النفسية التي وُجهت لهم، سندرك ان احتمالات انفجار البرميل تزداد بقوة.
هذا على صعيد تشرين، اما على صعيد المتنافسين فأن الظاهرة الملحوظة في هذه الانتخابات ان من اسميهم بـ (ممثلي السلاح) في هذه الانتخابات لن يخوضوها متحدين، بل متنافسين بشدة. وأذا كان التنافس سابقاً يجري بين اثنين فقط ممن يحملون السلاح فأن التنافس هذه المرة يحصل بين أكثر من ذلك مما يزيد من احتمالات السيناريو الآخر للانفجار بعد الانتخابات. وسواء كان السبب هو الاتهامات المتبادلة بالتزوير او عدم العدالة او سواها فسيكون هناك من هو غبر راضِ عن النتائج من (ممثلي السلاح). حينذاك فأن التصرف الطبيعي المتوقع من غضب من يحملون السلاح ويعتبرونه مصدر شرعيتهم، هو اللجوء له او على الاقل التلويح به للوصول الى تفاهمات ترضي كل الاطراف.
ومما يزيد الطين بلة ان هذه ستكون اول انتخابات لن تتمتع فيها القوى الضابطة لـ(ممثلي السلاح) بروافعها التقليدية التي تقلصت كثيراً لاسباب موضوعية واضحة. لقد اثبتت كثير من الحوادث التي جرت خلال السنتين الماضيتين، تقلص قدرة الجارة الشرقية على ضبط (ممثلي السلاح) وتوحيد صفوفهم كما كانت تفعل سابقاً.
لذا فان السيناريو الثاني المحتمل لاشعال برميل البارود هو خروج السلاح من غمده دون وجود قدرة على ضبطه وعودته لموضعه المسالم، ان إدراك الطبقة السياسية لهذه المخاطر واستعدادها لتقديم تنازلات سواء للشارع التشريني، أو لبعضها البعض هو الضمانة الوحيدة لعدم اشتعال برميل البارود الذي سيؤدي انفجاره (لا سمح الله) لخسارة فادحة ليس لاطراف العملية السياسية فحسب بل للجميع.
أما اذا استكانت تلك القوى لوهم الانتصار الذي قد يمنحها اياه القدرة على خوض الانتخابات واو الفوز فيها وسكون الشارع المؤقت فان الانفجار حاصل لا محالة. حينذاك سيتذكر الجميع قول الرحمن (كم اهلكنا من قبلهم من قرنِ فنادوا ولات حين مناص).
اضف تعليق