الخطاب العنيف لا ينتج أي شيء مفيد للعراق، وجربناه منذ سنوات طوال، صحيح انه يتبجح بالوطنية، لكنه يتسرب من الصراعات الدولية ولا تعنيه الوطنية العراقية بقدر تعلق الامر بالخارج، ولهذه الأسباب نقول ان المصلحة الوطنية تقتضي عدم الانجرار وراء هذه الخطابات الثورية العنيفة...
عاد السياسي الشعبوي المتطرف غيث التميمي الى بغداد، وكان من المفترض تلقيه الترحيب الشعبي، وجد نفسه وسط انتقادات لطريقة ادائه السياسي وخطابه المتناقض بين الداخل والخارج.
كيف ذلك؟
غيث التميمي عاد الى بغداد بخطاب مهادن للمنظومة السياسية الحالية، يريد من خلاله الدخول في المنظومة بدلا من تهديمها وتأسيس منظومة سياسية جديدة.
وبينما كان سابقا يدعو لاقتلاع كل شيء واعادة البناء من الصفر لان الواقع العراقي غير قابل للإصلاح بحسب رؤيته السابقة، ودعا المتظاهرين الى حمل السلاح في حال عدم استجابة الحكومة لمطالبهم، وهي دعوة متطرفة لا تخلو من تهور وقلة دراية فضلا عن عدم تقدير الموقف داخل العراق.
واشتهر التميمي بتسريبه لمحادثة بينه وبين الخبير الأمني هشام الهاشمي الذي اغتيل في بغداد منتصف عام 2020، يتهم خلالها كتائب حزب الله باغتياله، واكد انه تعرض لتهديدات مشابهة لتلك التي تلقاها لهاشمي قبل اغتياله، وشن حملة شرسة ضد الفصائل العراقية والمرشد الإيراني اية الله علي خامنئي.
كل هذا انتهى وعاد التميمي الى بغداد ليلتقط الصور تحت نصب الحرية بعد تفاهمات اعترف به صراحة، الا انه لم يوضح الجهة التي تفاهم معها وتفاصيل التفاهمات تلك.
لماذا تحول الخطاب من العنف الثوري الى السياسة التصالحية؟
يجيب غيث التميمي في تغريدة له عبر تويتر يقول فيها ان "السياسة فن الممكن وانا أعمل ضمن حزب يتطلع الى قيادة الدولة وتحقيق التنمية والاستقرار عبر الآليات الدستورية والقانونية لا يحق لاحد أن يحاسبني عن آلياتي وتفاهماتي الشخصية والحزبية مالم انتهك القانون ومبادئ المواطنة لا يعنيكم كيف رجعت لبغداد اسألوني ماذا تريد ان تفعل".
هذا خطاب جميل وواقعي، فالدستور هو المظلة التي نستظل بها من لهيب الفوضى والعنف، ومهما كان الدستور غير مكتمل لا بد وان يكون التغيير ضمن هذا السياق القانوني وليس السياقات العنيفة التي نشجبها دائما، والكلام لا نوجهه الى غيث التميمي فقط، بل الى كل الحركات السياسية بمختلف توجهاتها.
غيث التميمي ومن يسير على هذا النهج العنيف ينقسمون الى قسمين:
القسم الأول: يتخذ من الداخل العراقي مركزا لتحركاته، لكن يرتكز على توجيهات خارجية وسياسات المحاور والصراعات الدولية، ومستوى العنف يرتفع وينخفض ليس بحسب المصالح الوطنية، انما بما تفرضه سياقات الاحداث الدولية وصراع القوى الإقليمي في المنطقة.
القسم الثاني: لا يملك مليشيا مسلحة، لكنه يملك خطابا مليشياويا تدميريا، لا تخلو تصريحاته وبياناته من التحريض والشحن العاطفي المشوب بالعنف، هذا النوع لا يستطيع الدخول الى العراق، فيتخذ من دول الجوار مقرا له، ولا يختلف عن القسم الأول من حيث ارتكازه الى الصراعات الدولية كمحرك لخطابه، فيرتفع ويتخفض مستوى الشحن العنيف بحسب مستوى الصراع الإقليمي والدولي.
هذا الخطاب العنيف لا ينتج أي شيء مفيد للعراق، وجربناه منذ سنوات طوال، صحيح انه يتبجح بالوطنية، لكنه يتسرب من الصراعات الدولية ولا تعنيه الوطنية العراقية بقدر تعلق الامر بالخارج.
ولهذه الأسباب نقول ان المصلحة الوطنية تقتضي عدم الانجرار وراء هذه الخطابات الثورية العنيفة، انما نعتمد تحليل الموقف الداخلي والقوى الفاعلة فيه، ومن ثم نقرر ما الذي يجب فعله، هل نعقد هدنة مع هذا الطرف او ذاك ام نضغط عليه بالطرق القانونية والسياسية لنجبره على العودة الى المسار الوطني.
اما انتظار الخطابات الخارجية العنيفة فلا فائدة منها، وجربناها كيف تدعو للعنف في اقصى درجاته في حال كانت هناك مصلحة لدولة خارجية في هذا العنف، ثم ما يلبث ان يتحول الخطاب العنيف هذا الى خطاب التهدئة والمهادنة، ليس لان الظروف في العراق قد تغيرت، انما لان ظروف المتصارعين الخارجيين ومصالحهم قد تغيرت.
والنتيجة اننا نتحول الى حطب لحرائق الاخرين، وساحة صراع لتصفية الحسابات، وهذا ما لا نرتضيه لبلادنا.
فليعد الجميع الى رشده ولنرحب بخطاب السلاد وننبذ العنف، ونتبع المصلحة العراقية، فهي السبيل الوحيد لنجاتنا من ازماتنا المتراكمة.
ورسالتي الأخيرة الى مواطني الداخل: لا تتأثر كثير بمن يجلس خارج العراق وينظر عليك بالقيم والثورة.
هذا العقل التنظيري لو كان في الداخل لم ينطق بكلمة متطرفة واحدة (لان الروح عزيزة).
يا مواطن الداخل انت وحدة تعرف ظروفك ومصالحك ولا يوجد احد يعلمك فن الوطنية، لا دول خارجية ولا احزاب تابعة للخارج ولا اي شخص يجلس بالخارج.
لأن الخارج لا يفهم ظروف الداخل مهما حاول تصوير نفسه انه فاهم تعقيدات السياسة ودروبها المظلمة.
اضف تعليق