البرامج الانتخابية والشعارات التي يحملها المرشحين بشقيهم القديم والجديد، لا تأتي بجديد قط، وجميعها تدور بنفس الدائرة، دائرة الكذب والخداع والتضليل، فمن فاته الكذب كثيرا في الدورات السابقة، شد حزامه للعملية الانتخابية القادمة، فنراه يتجول ويطيل الجلوس مع وجهاء المدينة وشيوخها الذين أصبحوا يمارسون الحيلة والتلاعب في البورصة السياسية...
اجبرتني احدى المناسبات الاجتماعية على الخروج ليلا والذهاب لمنطقة تبعد مئات الأمتار عن محل سكناي، تأخرت كثير بسبب الازدحام المروري الذي بدأت في نهايته وأصبحت في وسطه بعد عناء، وأشرفت على نهايته، فتبين ان سبب الازدحام هو وقوف سيارة كبيرة تحمل عددا ليس بقليل من الإعلانات الضوئية الخاصة بالدعاية الانتخابية لاحد المرشحين.
اصابني الفضول ولأني تأخرت عن الموعد المحدد قررت الوقوف قليلا لأقرأ ما مكتوب على الإعلان الذي يبدو طبع بتقنية عالية ومكلفة من الناحية المالية، فقرأت ما جعلني اشعر بالخيبة وتفصد العرق على جبيني، بقيت لبرهة من الوقت لا اعرف ماذا افعل، وكيف أصبحت الشعارات مبتذلة بهذه الطريقة، اشحت بناظري عنها، قابلتني دعاية أخرى أكثر ابتذالا من الأولى، مسحت كمية العرق وقررت إكمال المشوار.
البرامج الانتخابية والشعارات التي يحملها المرشحين بشقيهم القديم والجديد، لا تأتي بجديد قط، وجميعها تدور بنفس الدائرة، دائرة الكذب والخداع والتضليل، فمن فاته الكذب كثيرا في الدورات السابقة، شد حزامه للعملية الانتخابية القادمة، فنراه يتجول ويطيل الجلوس مع وجهاء المدينة وشيوخها الذين أصبحوا يمارسون الحيلة والتلاعب في البورصة السياسية.
فبعد ان حُسم امر الانتخابات وتأكد اجراءها في موعدها المحدد بعد ان كانت تُحيطها احتمالية التأجيل من كل جانب، نشطت مرة أخرى شريحة كبيرة من شرائح المجتمع، وهم شيوخ ووجهاء المناطق الذين يدعون انهم يمثلون افراد قبائلهم ويتحكمون بأصواتهم الانتخابية وعلى أساس ذلك يخدون أكثر من مرشح لكسب المزيد من الأموال مقابل الأصوات الوهمية والوعود الكاذبة.
فهؤلاء لا يقلون خطرا من السياسي الكاذب او الذي يعطي الوعود ولم يلتزم بتنفيذها بمجرد الفوز بمقعد في البرلمان، وان ضايقه جمهوره الذي انتخبه نتيجة المطالبة بحقوقهم وتنفيذ ما وعدوهم فيه، وانهاءً لهذا الاحراج اخراج شريحة السيم وكسرها او ابدالها بأخرى وهنا يكون قد اغلق واحدة من أكثر الأبواب التي تسبب له ازعاجا امام نظراءه، وبالتأكيد هو لم يبتكر جديد، فجميع الفائزون يتخذون هذه الخطوة المريحة.
المعاملة بهذه الطريقة في الأساس قائمة على الخداع، فالوجهاء يرمون شباكهم في بحيرة الناخبين، لاصطياد أكثرهم جوعا وغفلة ورغبة في الوصول الى مقاعد البرلمان، فهذه النوعية من المرشحين يبحثون عن كم من الأصوات بلا برامج صادقة ووعود قابلة للتنفيذ، وهنا الجميع يشتركون بنفس التهمة ولديهم نفس الذنب فلا الناخب يصدق مع المشتري، (أي المرشح)، ولا المشتري يثق بالطرف الثاني من المعاملة، فهي عبارة عن عملية بيع وشراء دون ضمانات حقيقية.
الشعب من يتحمل مسؤولية وصول هؤلاء النواب لمبنى البرلمان، فهو من اعطاهم الشرعية الكاملة للتحكم بمقدراته، والتصرف بقوته وقوت ابناءه، فالكثير من القرارات التي تخدم شريحة واسعة من المواطنين رُكنت على الرفوف بمجلس النواب، بينما المواطن بأمس الحاجة اليها، كقانون القطاع الخاص الذي يضمن حقوق ملايين من الافراد من الضياع، وغيرها الكثير من التشريعات.
الكيانات السياسية تستغل التراجع القيمي الذي أصاب المجتمع، فلا يوجد في الوقت الحالي مجتمع يحمل ولاءات ثابتة، فمن يضمن حصوله على ما اشترط الحصول عليه من المرشح، يهادن على الباطل ويجانب الحق، فتراه يروج ويثقف لشخصية فلان، ويحضر مؤتمر انتخابي لغيره ويصفق للجميع دون قناعة، فقط انه مقتنع بان الفرصة مواتية لملأ محفظته بالمال الحرام او الخدمات.
اخي الناخب الكريم ما تحصل عليه من المرشح لا يمثل شيئا مقابل ما يحصل عليه هو طيلة السنوات الأربعة، فهو واخوانه يحصلون على مكتسبات خيالية لا يمكن ان تصدقها، جاه ونفوذ وعلاقات قائمة على تبادل المنفعة والمصلحة، أضف الى ذلك فأنهم يصبحون مليارديرية وانت أيها الناخب المسكين تبقى تراوح في مكانك، تسكن بنفس البيت الذي زارك فيه المرشح، وربما تكون قد فقدت عملك.
ويتطلب الحال هنا استراتيجية فاعلة، وورش عمل توعوية لطبقات المجتمع لكي نتمكن من محاربة هذه الظاهرة التي في حال استمرت فإنها ستتحول الى امر يتعارض مع مفهوم الديمقراطية، وتتحول هذه الممارسة اشبه بالبورصة السياسية وسوق لمزاولة الكذب والخديعة بعيدا عن النظر للمصلحة الوطنية.
البحث عن المرشح القادر على خدمة وطنه وأهله، يجب ان يكون مثل البحث عن الطبيب الجيد فالعراق اليوم يعاني من مشاكل جمة في عموم مفاصله ما يحتم على الناخب اختيار الشخص المناسب الذي يشخص العلة ويعمل على معالجتها.
فالاختيار بالنهاية يجب ان يخضع لهذه المعايير.
1. النزاهة والإخلاص بالعمل وتغليب المصلحة العامة على الخاصة.
2. وجود برنامج انتخابي قابل للتنفيذ وفق الإمكانات او الصلاحيات التي يمتلكها النائب في البرلمان.
3. عدم انتخاب من يدعي الاستقلالية، فهو بالنتيجة ينضوي تحت كتلة حزبية ويحصل على مميزات كثيرة.
4. قدر الإمكان انتخاب الوجوه الجديدة الشابة التي تحمل أفكار مغايرة لما اعتدنا عليها في المرشحين السابقين.
5. انتخاب الأشخاص المؤثرين والفاعلين في الأوساط المجتمعية والمشاركين بحلول بعض المشكلات.
6. الحرص على انتخاب الأشخاص ممن يمتلكون خبرة في مجالاتهم المختلفة، وحققوا نجاحات مقبولة.
7. انتخاب من ليس لديهم ولاءات خارجية.
8. انتخاب اشخاص ولدوا من رحم الداخل، فهم أكثر شعورا بالمسؤولية ورغبة في تقديم الخدمة للمواطنين.
اضف تعليق