سياسة التعامل مع المحاور هي الداء المزمن الذي عجزت عن علاجه الحكومات السابقة، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، حيث مرت العملية السياسية بتجاذبات كثيرة ومعقدة أدت الى اختلال التوازن الداخلي، وتخبط الحكومات دون بلوغ الحلول او حلحلة الازمات، اذ وقع العراق اسيرا بيد الإرادة الدولية الخارجية...
هل سينجح العراق في الخروج من سياسية المحاور في الأيام القادمة، ام سيبقى مجبولا على ذلك؟، هذا السؤال نفسه حير العراقيين الذين يردون ان يروا بلدهم خارج قوس من الصراعات الدولية او التعامل القائم على أساس النفوذ والقوة الخارجية.
سياسة التعامل مع المحاور هي الداء المزمن الذي عجزت عن علاجه الحكومات السابقة، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، حيث مرت العملية السياسية بتجاذبات كثيرة ومعقدة أدت الى اختلال التوازن الداخلي، وتخبط الحكومات دون بلوغ الحلول او حلحلة الازمات.
اذ وقع العراق اسيرا بيد الإرادة الدولية الخارجية منذ الاحتلال البريطاني، فكان لسلطة الاحتلال الدور الكبير والاثر البالغ في تكوين الهوية السياسية العراقية، بما في ذلك العلاقات بالمحيط الإقليمي وعقد الاتفاقات مع الدول ذات المصالح المشتركة، وهنا ركن العراق الى سياسية الاقتراب من محور والابتعاد عن آخر.
بقي العراق وبعفل السياسات الخاطئة التي ارتكبها سياسيوه آنذاك تحت مظلة دول الاحتلال، ولم يتمكن من الخروج عن هذا الطوق الذي لُف على رقبته واخذ ضيق تدريجيا، ما أنتج ثورة العشرين التي بسببها خرج البريطانيين من العراق، وفسح المجال امام ملوكه التقرب من المحور الشرقي قليلا، مع وجود التأثير البريطاني عبر بعض الأشخاص الموالين للإنكليز.
ولم يتمكن بلاد الرافدين حتى في عهد الجمهورية من التفرد بقراره والاعتماد على مكانته في اتباع سياسية واضحة ومباشرة في التعامل مع المجتمع الدولي بمختلف محاوره، لذلك نراه انحاز نحو جبهة المحور الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي سابقا، اذ اقلق هذا التقارب القوى الدولية الأخرى، وجعلها تعد العدة لقتل الجنين قبل ان يشتد عوده ويقوى ساعده.
بعد تغيير النظام السابق تبلورت سياسية المحاور بصورة أكثر وضوحا من الازمان السالفة، اذ أصبح بشكل واضح وجلي تقرأ الولاءات الخارجية، وكل طرف مدين لمحور من المحاور ويعتبره مصدر قوته او امتداده الطبيعي، اذ نجد القوى السنية لها تفاهمات إقليمية، وكذلك الأحزاب الشيعية لها تواصل خارج الحدود، وحتى الاكراد لديهم قبلتهم التي يتوجهون اليها عند أداء فروض الطاعة.
جميع رؤساء الحكومات ما بعد التغيير ركنوا الى سياسة المحاور، وبمجرد الوصول الى المنصب، يقومون بجملة من الزيارات لترطيب الأجواء وإبلاغ جميع الأطراف بضرورة التعامل مع العراق بهذه الشاكلة، وهي سياسة التقرب من الأطراف الإقليمية وعدم الانكفاء على ذاته، وهنا تكمن الصعوبة في تحقيق التوازن بين جميع الأطراف.
فسياسية المحاور التي اُشيعت في العراق بالسنوات الأخيرة كانت هي السبب وراء تدهور الأوضاع الداخلية في البلاد، فلا يمكن ان يقبل المحور الأمريكي عما يقوم به المحور الإيراني في العراق وانغماسه في العلمية السياسية عبر حلفاءه، وهم بالتالي من يقررون ويرسمون سياسية البلد الحالية والمستقبلية مع مواصلة جهودهم لإبعاد البعبع الأمريكي.
بينما نجد أمريكا تحرك مجساتها لخربطة الغزل وتدهور الأوضاع لزيادة النقمة على الأطراف التابعة لإيران والتي تعمل على تنفيذ سياستها في الداخل العراقي، وفي كلتا الحالتين يبقى العراق هو الضحية الأولى والأخيرة نتيجة صراع المحاور فيه ومعاناته المتكررة من التبعية العمياء في اغلب الأحيان نتيجة عدم مراجعة اطرافه الحاكمة ارتدادات القرارات والتحركات الخاطئة التي يتخذونها.
في عودة على التساؤل الذي طرح في مقدمة المقال، هل سينجح العراق في الخروج من سياسية المحاور في الأيام القادمة، ام سيبقى مجبولا على ذلك؟، نرى ان العراق وفق ما موجود على الساحة السياسية من تحركات مكوكية عن طريق رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي امامه خيارين لا ثالث لهما.
الخيار الأول هو صعوبة التخلي او التخلص من التعامل مع المحاور المتعددة ومن بينها إيران وهو ما تريده الولايات المتحدة الامريكية، وتضغط على العراق لتحقيقه او الذهاب نسبيا بهذا الاتجاه، وهنا يتطلب من إيران تغيير قواعد العبة وتعمل عبر سياسية جديدة أكثر تأثيرا من السياسات السابقة، لنسف هذه المخططات وعدم تركها تنمو وتصبح واقعا شاهقا، ويتحقق ذلك بإخراج رئيس الوزراء الحالي من رأس الحكومة والاتيان بآخر أكثر حرصا على ديمومة العلاقات معها.
اما الخيار الثاني وهو يتعلق بحصول الأول، وبعبارة أكثر وضوح، فأن إيران إذا تمكنت من إبعاد الكاظمي ومن يسعى لتنفيذ الرغبة الامريكية خلفه، فالعراق ذاهب لاستنساخ التجربة اللبنانية بصورة أخف من ذلك قليلا، مع فارق وجود نفط عراقي يخفف من اعراض الضغوطات الامريكية الى جانب المجتمع الدولي مجتمعا.
قد تكون الجهود التي بذلها الكاظمي في أشهر ولايته القليلة ناجحة في التخلص من سياسة المحاور التي بقيت لصيقة العمل السياسي العراقي، او ربما تكون بمثابة قصورا من الرمال سرعان ما تتهاوى عند هبوب رياح التأثير الدولي، وبين الاحتمالين تبقى الأمور غامضة لا يمكن ان نتكهن بها او نقترب من الحقيقة الغائبة.
اضف تعليق