تراجع زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر عن قراره السابق بمقاطعة الانتخابات، بينما تجمع أنصاره في الساحات تأيداً لهذا القرار، كما أصدرت القيادات السياسية بيانات مرحبة بالقرار الجديد، خطاب التراجع حمل رسائل عدة نوضحها عبر رصد وتحليل الكلمات المفتاحية والعبارات الموجهة لأنصاره بشكل حصري...
تراجع زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر عن قراره السابق بمقاطعة الانتخابات، بينما تجمع أنصاره في الساحات تأيداً لهذا القرار، كما أصدرت القيادات السياسية بيانات مرحبة بالقرار الجديد.
خطاب التراجع حمل رسائل عدة نوضحها عبر رصد وتحليل الكلمات المفتاحية والعبارات الموجهة لأنصاره بشكل حصري.
بدأ الصدر خطابه بالآية 117من سورة هود "وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍۢ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ".
افتتاحيته تعطي دلالة على مسألة تلازم الهلاك والإصلاح، فإن استمرار الإصلاح إنقاذ للبلاد من الهلاك، لذلك كانت كلمة "الإصلاح" هي الأعلى تكرارا في خطابه حيث وردت (12 مرة)، لتكون مضادة لكلمة الفساد التي تكررت بـ (6مرات).
ملامح الإصلاح
وبينما يتحدث الصدر عن الإصلاح فانه يربطه بنفسه والفريق المؤيد له، بقوله "كل مواطن لساناً ناطقاً للدعاية الانتخابية الإصلاحية" ويضع شروطاً ليكون الموطن مصلحا، وبشكل أدق يجب أن يكون المواطن تابعاً للتيار الصدري حتى يندمج مع فريق الإصلاح، فالشروط التي وضعها لا تنطبق إلا على أعضاء التيار الصدري.
والعراق كما يذكره السيد مقتدى هو "عراق الصدرين"، و"الطاعة لآل الصدر"، وفق هذه البيئة نستنتج شروط المواطن الاصلاحي وهي:
الشرط الأول: الطاعة، فقد كرر السيد الصدر الالتزام وطاعة توجيهاته ثلاث مرات في خطابه، وهي صفة ملازمة لأنصاره.
الشرط الثاني: والطاعة تستلزم عند الصدر "الثقة، والعزم، والإصرار، والثبات، والقناعة" هذه الكلمات تكررت مرة واحدة لكل كلمة منها.
وتكرار هذه الكلمات وربطها بالطاعة يوحي بشيئين: أما أن الصدر يستشعر عدم الرضى واهتزاز القناعات لدى أتباعه، أو أنه يريد شد أزرهم ومساعدتهم في اتخاذ قرار التراجع عن المقاطعة لا سيما وأن بعض أنصار التيار الصدري قد أحرقوا بطاقاتهم الانتخابية بعد صدور قرار المقاطعة، فهؤلاء يصعب عليهم العودة نفسياً وفنياً.
ونقول يصعب عليهم فنياً لأن إصدار بطاقات انتخابية جديدة يحتاج وقتاً قد لا يتوافر قبل حلول موعد يوم الإقتراع.
الشرط الثالث: انتخاب الكتلة الصدري، فقد كرر زعيم التيار كلمة المشروع الانتخابي (4 مرات) في إيحاء واضح من السياق إلى الكتلة الانتخابية التي يتبناها ويدعمها بكل قوته، فقد كان أعضاء هذه الكتلة يقفون خلفه وهم يمثلون جوهرة مشروعه الانتخابي.
الشرط الرابع: المليونية الصدرية، لا يريد السيد الصدر تأيداً باهتاً، فقوة تياره تأتي من عدد الجماهير التي يستطيع تحريكها، وبعد تأكيده على مسألة الطاعة يريد الصدر طاعة عينية لا كفائية، بمعنى خروج جميع أنصار التيار الصدري، وكل فرد _حسب خطاب الصدر_ يجب أن يكون لساناً ناطقاً للدعاية الانتخابية الإصلاحية.
الحضور الجماهيري بالنسبة له معركة سياسية في الساحات، موازٍ تماماً لحضور نوابه تحت قبة البرلمان.
كرر السيد الصدر كلمة مليونية أربع مرات رداً على "مراهنة الخصوم على قلة العدد".
النتيجة
وضع السيد الصدر هذه الشروط كرهان على مسألة أساسية وهي إنقاذ العراق، فقد وردت كلمة "إنقاذ العراق" ثلاث مرات في خطابه، لكن من أي خطر ينقذه؟
إنقاذه من "الفساد، التبعية، التطبيع، المصالح الخارجية، الإحتلال"، هذه كلمات مفتاحية للمشروع الانتخابي الإصلاحي الانقاذي.
والتطبيع معروف للدلالة على إقامة العلاقات مع إسرائيل والذي تكرر مرتين في خطابه، وبنفس العدد تكررت كلمة "التبعية" وهي كلمة تقال للجهات المتحالف والمقربة من ايران، ما يعني أنه يعيش حالة صدام مع حلفاء إيران لسببين: أولاً من أجل احتار الكراهية والعداء ضد إسرائيل، وثانياً من أجل احتكار أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب المقبل بما يؤهله ليبقى زعيما لما يسمى "المقاومة".
ويتسق تحليلنا في مسألة الصراع على احتكار كراهية إسرائيل والقوى الخارجية مع تصريح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وهو حليف الصدر الذي قال في كلام سابق له أن "السيد الصدر هو زعيم المقاومة"، ليرجح كفة الصدر لدى الرأي العام ويعيده للواجهة بعد أن سحبتها منه صواريخ الفصائل المتحالفة مع ايران.
ختم الصدر خطابه بهدفه من التراجع عن الانسحاب الانتخابي، بالقول أننا نشارك "لكي نثبت للجمع بأننا الكتلة الأكبر والتي لم يعهد العراق لها مثيلاً لا سابقاً ولا لاحقاً، بشرط طاعتكم والتزامكم بضوابط المشرفين على المشروع الانتخابي وبلا تشكيك وإرجاف، وسيكون كل فرد منكم لساناً ناطقا للدعاية الانتخابية الإصلاحية".
ملاحظات ضرورية
المقارنة بين خطاب الإنسحاب من الانتخابات وخطاب التراجع فيه دلالة سيميائية مهمة.
في الإنسحاب كان الصدر وحيداً كما يبدو في الصورة، لأنه تبرأ من الجميع وأعتزل السياسة، لكن الصورة التي خلفه تحتوي على علم العراق، ومعه راية لواء اليوم الموعود وهو تشكيل عسكري تم تجميده سابقاً، وسرايا السلام وهو تشكيل عسكري يقاتل في سامراء مع قوات الحشد الشعبي.
وهذا ما أثار مخاوف القوى السياسية، فالصدر أما يكون في ميدان القتال أو ميدان السياسة تحت قبة البرلمان، والإنسحاب من السياسة يعني استعداداه للصراع المسلح وعلى أقل تقدير استعداداه لتحريك الشارع والتظاهرات وهذا أكثر ما تخشاه الكتل السياسية.
وفي خطاب التراجع عن الإنسحاب، وقف السيد الصدر ومعه نواب الكتلة الصدرية كما هو معهود لديه في طريقة استعراضاته العسكرية تارة والسياسية تارة أخرى.
وفي كلتا الحالتين، الصدر يثير قلق القوى السياسية، إن انسحب من الانتخابات فإنه سيستخدم وسائل الصراع الأقل سياسية والأكثر خشونة، وإن عاد للانتخابات فإنه سيحتكر جزءاً كبيراً من مقاعد مجلس النواب ومن ثم يحرك القرار العراقي بالإتجاه الذي هو يريد، لا كما يريد خصومه.
اضف تعليق