وما يجري في مسألة الانتخابات المبكرة لا يخرج عن مسار المنح الأبوية للمنظومة الحاكمة، وقد يجادل البعض بان الانتخابات الحالية وإن قررتها الحكومة والبرلمان، لكنها جاءت استناداً للمطالب الشعبية، وهو ما كتبته في مطلع المقال، لكن هذه الصورة العامة والغلاف الخارجي، والديمقراطية الشكلية تعتمد غلافاً...
كانت المطالبة بانتخابات مبكرة نزيهة أحد أهم المطالب الشعبية التي خرجت من أجلها تظاهرات تشرين، وعلى أثرها استقالت حكومة عادل عبد المهدي وتم حل مفوضية الانتخابات، وأُقر قانون انتخابات جديد، وتشكلت حكومة مصطفى الكاظمي بغية إجراء انتخابات مبكرة.
حددت حكومة الكاظمي السادس من شهر حزيران الفائت موعداً لإجراء الانتخبات المبكرة، بينما المطالبات بموعد أبكر، وما أن اقترب حزيران حتى تم تأجيل الانتخابات إلى العاشر من تشرين الأول المقبل.
هذه المرة صارت العملية أكثر قانونية وقريبة من موضع الثبات بعيدة عن التأجيل، على الأقل شكلياً، فقد صوّت مجلس النواب، ليلة الأول من ابريل/ نيسان الماضي، لصالح حل نفسه في 7 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، تمهيدا لإجراء انتخابات مبكرة بعدها بثلاثة أيام (أي 10 تشرين الأول 2021).
واشترط البرلمان إجراء الانتخابات في موعدها 10 / 10/ 2021، واستند تصويت البرلمان على المادة 64 من الدستور العراقي على أنه "لمجلس النواب القدرة على حل نفسه بناءً على طلب من ثلث أعضائه، أو من رئيس الوزراء بموافقة رئيس الجمهورية. وبعد حل البرلمان يقوم رئيس الجمهورية بالدعوة إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها 60 يوما. وتعد الحكومة في هذه الحالة مستقيلة، وتقوم فقط بممارسة تصريف الأعمال".
جدل الاستمرار والتأجيل
وبينما نقترب أكثر من هذا الموعد الانتخابي، ما تزال أصوات التأجيل والتأكيد ترتفع من هنا وهناك، مع استمرار موجة الانسحابات لكتل سياسية بعضها لها ثقل كبير مثل التيار الصدري، والبعض الآخر يتساوى غيابه مع حضوره.
الشد والجذب حول الاستمرار في العملية الانتخابية وتأجيلها قسم الشارع على أساس القوى التي تؤيده، فالمرجعية الدينية الداعمة للتظاهرات تريد إجراء الانتخابات، ومعها الولايات المتحدة الأميركية التي أكدت أكثر من مرة على لسان سفيرها في بغداد ماثيو تولر، وحديث الرئيس جو بايدن مع الكاظمي في واشنطن الذي أكد ضرورة إجراء الانتخابات.
والأمم المتحدة داعمة لاجراء الانتخابات في الموعد المحدد لكنها متخوفة من التزوير، وكلامها تحدثت فيه الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، قائلة أن الأوضاع الأمنية في العراق "مهزوزة جداً"، مشيرة إلى أنه لا يمكن توقع أن تجري الانتخابات دون تزوير.
السفير البريطاني السابق والمتولي السياسي للعراق ستيفين هيكي يرى أن "البيئة الحالية غير مناسبة لإجراء انتخابات في العراق".
أما على مستوى القيادات السياسية العراقية فمواقفها متباينة بحسب توقعاتها للفوز أو الخسارة خلال الفترة الراهنة، إلا انها في النهاية لا تستطيع إيقاف قطار الانتخابات إذا تحرك بقوة أميركية إيرانية مرجعية.
حكم الشعب
من مفارقات النظام الديمقراطي العراقي أنه ما يزال يعتمد على المنحة في أغلب خطواته، فالانتخابات منحة تقررها المنظومة السياسية الحاكمة باتفاقات وتقاسم للغنائم، بموافقة الدول الخارجية أو بتوجيهها.
وما يجري في مسألة الانتخابات المبكرة لا يخرج عن مسار المنح الأبوية للمنظومة الحاكمة، وقد يجادل البعض بان الانتخابات الحالية وإن قررتها الحكومة والبرلمان، لكنها جاءت استناداً للمطالب الشعبية، وهو ما كتبته في مطلع المقال، لكن هذه الصورة العامة والغلاف الخارجي.
والديمقراطية الشكلية تعتمد غلافاً جميلاً مثل الاستجابة للمطالب الشعبية، وعملها يشبه البقال الذي يضع الجيد من بضاعته في الواجهة بينما باقي البضاعة فاسد وغير صالح للأكل.
التفاصيل هي البضاعة الحقيقية التي تتحكم فيها المنظومة السياسية وجعلت المسار الانتخابي يخضع لمزاج الأحزاب الحاكمة.
نعم، تم إقرار قانون انتخابي لكنه استغل الغضب الشعبي وغياب الدراية القانونية للمواطنين ليكون مفصلاً حسب رغبات الأحزاب.
نعم، تم تغيير مفوضية الانتخابات لكنها جاءت على أساس المحاصصة الطائفية والقومية ولبست هذه المرة ثوباً وطنياً عبر تقسيم البلاد جغرافياً يبعد تهمة المحاصصة.
نعم، هناك انتخابات مبكرة لكنها انتخابات تخضع لحسابات الأحزاب والتيارات السياسية المتحكمة بقرار الدولة، ومن انسحب فقد تأكد أن الظروف لا تخدمه، ومن بقي يريد تعزيز موقعه أو إعادة موقع مفقود.
وإن أجريت الانتخابات فهناك مخاوف من التزوير لترجيح كفة جهة سياسية على حساب أخرى، وربما تستبعد الشخصيات الوطنية من الساحة تماماً كما حدث في الدورات الانتخابية السابقة.
في كل هذه العملية الطويلة الانتخابات تترنح، وموعدها غير مؤكد حتى هذه اللحظة، فالدستور والشعب لا يتم العودة إليهما. بنظرة سريعة على تصريحات القادة السياسيين وسفراء الدول تعرف حجم التهميش للشعب والدستور، فالتأكيد والنفي يأتي من شخصيات مؤثرة مثل السفير الأميركي وزعماء الكتل السياسية.
الانتخابات في النهاية منحة نحصل عليها بقرار الساسة لا الشعب، وتلك مشكلتنا الكبيرة في الديمقراطية العراقية، لأنها ما تزال ديمقراطية شكلية وغلاف جميل لبضاعة غربية لم يستطع الشعب فهم تعقيداتها لذلك ما يزال بعيداً عن حكم نفسه بنفسه.
اضف تعليق