مؤشر على عمق المخاوف والشكوك التي تساور أغلب القوى السياسية من إمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة وعادلة في البلاد، حيث تلمح كبريات القوى المنسحبة كالتيار الصدري أن هناك حربا تشنها قوى سياسية ترى في تصور التيار الصدري وطموحه لمرحلة ما بعد الانتخابات يمثل تهديدا لطموح هذه القوى...
توالت الانسحابات من الانتخابات النيابية المبكرة المزمع إجراؤها في العراق بعد أقل من شهرين، فبعد المفاجئة التي أعلنها التيار الصدري بالانسحاب من الانتخابات النيابية، أعلنت قوى أخرى انسحابها وأبرزها ائتلاف إياد علاوي، وصالح المطلك، والحزب الشيوعي، وقوى أخرى، إضافةً إلى موقف أغلب ممثلي الحراك الاحتجاجي رفضها خوض الانتخابات.
تشير التقارير إلى أن هذه الانسحابات التي لم يسبق أن أعلنت قوى سياسية بهذا الحجم انسحابها من الانتخابات في دوراتها الأربع السابقة منذ عام 2003، ولعل ذلك مؤشر على عمق المخاوف والشكوك التي تساور أغلب القوى السياسية من إمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة وعادلة في البلاد، حيث تلمح كبريات القوى المنسحبة كالتيار الصدري أن هناك حربا تشنها قوى سياسية ترى في تصور التيار الصدري وطموحه لمرحلة ما بعد الانتخابات يمثل تهديدا لطموح هذه القوى السياسية خاصة، عندما أعلن التيار الصدري رغبته بتولي منصب رئاسة الوزراء في المرحلة المقبلة في ضوء ما توقعه التيار الصدري من فوز مريح في ظل قانون الانتخابات الجديد سيمكنه من الحصول على نسبة كبيرة من مقاعد مجلس النواب على مستوى بغداد ومحافظات الوسط والجنوب.
من هنا فالتيار الصدري ألقى باللائمة ضمنا على القوى الغريمة له من عمليات التسقيط التي رافقت ملفات تردي الوضع الخدمي وانقطاع التيار الكهربائي وصولا إلى الحرائق في بعض المستشفيات كمستشفى ابن الخطيب في العاصمة بغداد، ومستشفى الحسين في محافظة الناصرية جنوب العراق. وبالتالي فإن انسحاب التيار الصدري هو رسالة واضحة إلى القوى السياسية الغريمة له خاصة وإن جاء الإعلان بصورة اضطرارية وفجائية بالنسبة للتيار الصدري وعموم المراقبين، مفاد هذه الرسالة إن انسحابه من الانتخابات هو بسبب عمليات التسقيط والحرب الإعلامية ضده، وأن التيار الصدري وإن انسحب بصورة أولية لكن سياسيا لا يزال يمتلك حضورا جماهيريا أو ما يسميها بعض الباحثين بالظاهرة الصدرية المنتشرة في عدد من المحافظات وكذلك امتلاك التيار الصدري قوى عسكرية قادرة على تغيير المعادلات، وهذا واضح من خلال لغة الإشارة والرموز أثناء المؤتمر الصحفي لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر.
أما عن موقف قوى الحراك الاحتجاجي، فيرى المراقبين أن انسحابها من الانتخابات جاء لإيمانها بعدم نزاهتها ووجود السلاح المنفلت والمال السياسي، الذي قد يعمل للضغط على رأي الناخب، من هنا فقد تختلف المبررات ما بين هذه القوى والقوى الشعبية التقليدية فهذه القوى تريد أن تبعد عن نفسها ضغط حرب الإعلام وتداعياته وإظهار نفسها بواقع مختلف في حين تشكك قوى الحراك الاحتجاج الشعبي بمجمل مقدمات ومخرجات العملية الانتخابية.
وقد سمعنا دعوة رئيس الحكومة السيد مصطفى الكاظمي أكثر من مناسبة دعوته للقوى السياسية المنسحبة إلى خوض غمار الانتخابات، بعد اجتماع عدد من القوى السياسية بحضور رئيس الجمهورية برهم صالح، واقترح تشكيل لجنة من القوى السياسية للتحاور مع القوى المنسحبة ومن دون شك أن هذه القوى تدرك قوة بعض القوى المنسحبة من الانتخابات لكنها وإن كانت تدعو من خلال الإعلام إلى عودة هذه القوى إلى السباق الانتخابي لكنها مرتاحة من انسحاب التيار الصدري على وجه التحديد لأنه سيوفر لهم الانسحاب مقاعد التيار الصدري مما سيعطي للقوى الطامحة العودة إلى موقع رئاسة مجلس الوزراء من جديد من خلال الحصول على نسبة مريحة من المقاعد داخل مجلس النواب، في حين أن خسارة مقاعد التيار الصدري ستمثل خسارة إلى قوى أخرى كرئيس الوزراء الكاظمي نفسه وبعض القوى كالتحالف النصر والى حد ما تيار الحكمة.
من جانب آخر إذا ما أصر التيار الصدري على الانسحاب من الانتخابات النيابية إلى جانب قوى أخرى سيترتب عليه الآتي:
1- سيحول التيار الصدري توجهه السياسي والسلوكي في مرحلة ما بعد الانتخابات إلى الشارع.
2- سيحاول لملمه تشكيل تحالف من القوى المنسحبة وجذب بعض قوى الحراك الاحتجاجي من جديد لممارسة مزيد من الضغط على مجمل العملية السياسية والقوى السياسية التقليدية على وجه الخصوص.
3- ستكون أي حكومة من دون التيار الصدري تحت ضغط سياسي وشعبي كبير وستكون من سمات هذه الحكومة عدم الاستقرار.
4- سيعمل التيار الصدري والقوى المتحالفة على تشكيل سياسي ظل للحكومة والقوى السياسية ليكون بديلا في المرحلة القادمة.
5- الأهم من كل ما تقدم ضرورة تجنب أي توتر يثير سيناريوهات خطيرة كالاقتتال الداخلي الأهلي.
اضف تعليق