هناك تساؤل طويل متداول في مواقع التواصل الاجتماعي، يقول أن الحكومة التي استطاعت أن توفر بطاقة الناخب إلى المواطنين مجاناً بلا حجز مسبق وبلا جهد وتوصلها إلى بيت المواطن، لماذا لا تكلف نفسها (الحكومة) بتوفير البطاقة الوطنية والجواز والبطاقة التموينية إلى المواطن بنفس السهولة؟...
هناك تساؤل طويل متداول في مواقع التواصل الاجتماعي، يقول أن الحكومة التي استطاعت أن توفر بطاقة الناخب إلى المواطنين مجاناً بلا حجز مسبق وبلا جهد وتوصلها إلى بيت المواطن،
لماذا لا تكلف نفسها (الحكومة) بتوفير البطاقة الوطنية والجواز والبطاقة التموينية إلى المواطن بنفس السهولة؟
إذا كنتم قادرين على تسهيل حياة المواطن، لماذا كل هذا الذل الذي يلاقيه في مؤسساتكم؟ لماذا يطرح المواطن هذا التساؤل؟
كل من يذهب لمراجعة مؤسسات الدولة يعرف سبب تساؤل المواطن، اذ لا ينبع هذا الشعور بالتقصير الحكومي من فراغ، ولا توجد دوافع من دول خارجية للجمهور كما يتم تصوير حالات الاعتراض الشعبي، فالمعاملة الادارية البسيطة قد تاخذ منك أسابيع وأشهر وربما سنة أو أكثر.
اختمها من هنا، ووقعها من هناك، وأنتظر لمدة أسبوع، ثم تأتي بالموعد المحدد فتجد الزحام الشديد، فيؤجلك الموظف إلى أسبوع آخر، تهيء نفسك للموعد الجديد فيصدمك خبر إعلان عطلة رسمية لأن الحرارة ارتفعت أو الأمطار ملأت الشوارع أو بمناسبة دينية وغيرها من الأمور التي تستهلك نصف أوقات الموظفين سنوياً.
وهذه الوقائع التي يعرفها كل من ذهب لإكمال متطلبات إدارية في إحدى مؤسسات الدولة، كما تحدث وزير الصحة السابق جعفر علاوي عن المشكلات الإدارية التي واجهته بعد ترشيحه لخلافة الدكتور علاء العلوان الذي تعرض لمحاولات ابتزاز فقدم استقالته من الوزارة.
يقول جعفر علاوي أنه خلال مجيئه إلى العراق قادماً من بريطانيا لتسجيل أوراقه المتعلقة بتخصصه فرفضها الموظف المسؤول لأنها لا تحمل أختاماً كثيرة كما هو معتاد.
وقال علاوي أنه اضطر للعودة إلى بريطانيا وملأ الأوراق أختاماً، حينها قال له الموظف أنها أصبحت أوراقاً قابلة للتسجيل رغم أن الأختام التي وضعها غير رسمية وهي مخصصة لموظف الاستعلامات.
هذه الحادثة توضح كيف تتم عرقلة أي إجراء لأسباب جانبية لا علاقة لها بالضبط الإداري كما يحلو للموظفين تسميته.
نعود لقصة البطاقة الانتخابية وما يقابلها في البطاقة الوطنية.
البطاقة الانتخابية تسجلها بأسهل ما يكون وتحصل على روابط التسجيل عبر الهاتف، بل أن موظف التسجيل يمكن أن يزورك إلى البيت لتسجيلك، وإذا لم تستطع التسجيل رغم كل هذه العروض المغرية، تمدد مدة التسجيل وتسهل الأمور إلى أقصى حد.
بينما تعاني أشد المعاناة عندما تريد التسجيل في البطاقة الوطنية، تبدأ القصة من الذهاب إلى مراكز الانترنت من أجل الحجز الالكتروني، تنتظر الموعد فتذهب في اليوم المحدد لكن قبل ثلاث ساعات من بداية الدوام حتى تسبق الاخرين.
وبعد طول انتظار في طابور طويل تصل الشباك المخصص لإكمال تسجيلك تسمع الضابط المختص يعلن توقف الإنترنت، فتنتظر وتنتظر ولا يوجد أمل، ينتهي الدوام فتعود إلى البيت بانتظار موعد جديد تكون معاناته أشد.
هذه بطاقة وتلك بطاقة، فما هذ ميزات البطاقة الأولى عن الثانية؟
لو حسبنا الأمر من الناحية القانونية فإن البطاقة الوطنية أقوى لأنها الورقة الثبوتية بأنك عراقي تحمل جنسية هذا البلد، وهي مطلوبة من المواطن في أي وقت، بينما البطاقة الانتخابية لا تتعدى أن تكون ورقة تعريفية بأنك مسجل في السجل الانتخابي ووظيفتها محصورة بوم الاقتراع فقط.
إلا أن الموازين السياسية تقلب كل القوانين، فالبطاقة الانتخابية فيها منفعة للمنظومة السياسية الحاكمة من أجل إضفاء الشرعية على وجودها عبر نظام الانتخابات فيما البطاقة الوطنية فيها مصلحة للمواطن، وهو إنسان مستضعف لا يفيد في شيء سوى يوم الانتخابات.
الانفصال عن الواقع
هذا التعامل المنفصل بين ما هو للمواطن وما هو للمنظومة يزيد الفجوة بين الطرفين، ويجعلنا نعيش في دول الطبقات، طبقة الحكام التي يجري لها كل ما تريد، ودولة البسطاء التي لا تحصل على حقوقها إلا بشق الانفس.
في دولة بسطاء المواطنين لا تحصل على فرصة عمل إلا بعد شهور من الاعتصامات أمام الوزارات، وغالباً ما تنتهي هذه الاعتصامات الى اليأس وفي بعض الأحيان إلى وعود مستقبلية وهمية.
السر الذي يفسر حالة الانفصال بين واقع المواطن وواقع المنظومة السياسية هو "الإرادة" فحينما أرادت المنظومة إجراء الانتخابات سهلت كل شيء من اجل اجرائها.
ونفس الحال مع القضايا الأخرى الخدمية وغيرها التي تهم المواطن، فلو أرادت الحكومة والمنظومة السياسية فعل أي شيء لفعلت، خاصة في القضايا الخدمة البسيطة مثل تسهيل المعاملات الإدارية وتقديم الخدمات العامة للمواطنين.
اضف تعليق