الأيديولوجيا أصبحت أداة من أدوات الاخضاع التي تحصل بالقهر والقوة القسرية، وهذه الأفكار لا يمكن ان يكون لها تأثير، في حال تم استخدامها من قبل دولة ضعيفة ليس لديها المال والسلاح لتكون راعية لمثل هذه الطروحات، فعادة صاحب القوة في الواقع له القوة ذاتها بزرع الأفكار...
تتباهى الدول بقوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية وما تمتلكه من قوى على مستويات عدة، ولم تلتفت الى مدى تأثير قوة الفكر او الأيديولوجيا في الاخضاع لها والامتثال لأوامرها، الا في فترات متأخرة، وتجسد ذلك عبر استخدام القوة الناعمة في الضغط على الأعداء، فهي صنفت مؤخرا من أفعال القوة الموازية للقوة العسكرية وما تحدثه المواجهات المباشرة.
للأيدولوجيا ثلاثة مفاهيم استقرت عليها معانيها منذ القرن التّاسع عشر هي: الوعي الزائف أو المغلوط، رؤية إلى العالم والمجتمع والوجود، ثم رؤية تكوّنها طبقة اجتماعية عن نفسها وعن مصالحها وعن غيرها من الطّبقات تكون (أي الرؤية) منسجمة مع مصالحها كطبقة.
وما يميز القوة الأيديولوجية انها تختلف عن مصادر القوة الأخرى، في انها تخلو من أساليب الإيذاء المادي، على العكس من ذلك تماما القوة العسكرية، التي تخلف كم هائل من الضحايا، وقد يكون من غير الممكن احصاءها، اذ تقوم القوة الناعمة، بالتأثير بشكل غير واضح في بداية المشوار وتظهر الاعراض بصورة تدريجية بعد ان يمتلأ وعاء الافراد بها.
ففي العراق مثلا لجأت الولايات المتحدة الى عناصر القوة بهدف إسقاط النظام القائم وحشدت معها المجتمع الدولي، متخذة من ذلك ذريعة لفعلتها التي دمرت البلد على مستويات عدة، أولها تهديم المنظومة العسكرية التي كانت من اقوى المنظومات في منطقة الشرق الأوسط، فضمنت بذلك عدم وجود قوة موازية لقوتها في البلد.
وعملت على تشكيل قوات بتجهيز بسيط الى جانب مراقبتها للأحداث وكيفية سيرها بما يؤمن بقاءها على رأس المنظومات المهمة في البلد، وفي مقدمتها الأمنية، لذلك حدثت خروقات كثيرة راح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى وفي جميع المحافظات، والسبب يعود بذلك أولا وأخيرا الى دول التحالف التي تريد ان تبقي العراق بلدا ضعيفا خاضعا لسلطة الخارج الغربي تحديدا.
بعد ان قوى عود العراق نتيجة الاعتماد على أمواله الخاصة، وشعر بحاجته الفعلية الى التسلح، اخذ بعقد صفقات الأسلحة مع دول من المعسكر الشرقي، وإيران الدولة الجارة، وهنا انقلبت الموازين، وتغيرات الحسابات على المستوى الدولي، فهذا التقرب من بعض الدول اثار حفيظة أمريكا واخذت تعمل باتجاه مغاير بعيدا عن استخدام القوة العسكرية التي اتبعتها عند تغيير النظام.
فقامت باستخدام الأيديولوجيا كعنصر مؤثر على الداخل العراقي لخلق قوة مناهضة للتغلغل الإيراني الذي اخذ بالاتساع بصورة مزعجة بالنسبة للولايات المتحدة، اذ ركزت هذه الأفكار على ان سبب الذي يحصل في العراق هو التقرب من احدى محاور الشر في المنطقة، وبقيت تعزز هذا الانطباع لدى شريحة واسعة من شرائح المجتمع العراقي، والنتيجة هي النقمة على الوجود الإيراني المباشر وغير المباشر.
وهذه النقمة تمثلت بوسم المقربين من إيران او الراغبين بزيادة منطقة النفوذ باسم (الفصائل او الجهات الولائية)، وبعد ذلك اخذت حدة الصراع بين الطرفين تتصاعد، حتى برزت الى الساحة مصطلحات من قبيل أبناء السفرات والذيول والقائمة تطول بهذه المسميات حديثة العهد.
وهنا اتضح وبشكل لا يقبل النقاش مدى قوة الأيديولوجيا في صنع واقع جديد غير الواقع الكائن سابقا، فالقوة من هذا النوع تؤدي في كثير من الأحيان الى نتائج أكثر بأضعاف من التي تتحقق بفعل القوة الحربية والحصار الاقتصادي وسياسية الاملاءات التي تتبعها الدول القوية تجاه الدول المسيطر على مقدراتها ويحدث الاخضاع.
فالأيديولوجيا حقا أصبحت أداة من أدوات الاخضاع التي تحصل بالقهر والقوة القسرية، وهذه الأفكار لا يمكن ان يكون لها تأثير، في حال تم استخدامها من قبل دولة ضعيفة ليس لديها المال والسلاح لتكون راعية لمثل هذه الطروحات، فعادة صاحب القوة في الواقع له القوة ذاتها بزرع الأفكار التي يريد زرعها في الطرف المقابل او الخصم.
والأحزاب السياسية العراقية تعرف جديا مدى تأثير الأيديولوجيا على الافراد، لذلك كثفت من عمليات غرس الأفكار التي زورت الوقائع، وقنعت الحقيقة او طمستها، مستفيدة لتحقيق ذلك من وسائل الإعلام التابعة لها، والتي اتخذتها حوامل جديدة للأفكار بعد ان كان الاعتماد على الكتب والدراسات في تدعيم الرؤى المختلفة.
ففي السنوات الأخيرة علت مكانة الخطاب الأيديولوجي على المستوى العالم، وأصبح الأكثر استخداما وتأثيرا على الافراد، وقد استخدمته الدول سلاحا ذو فعالية كبيرة في حرب المصالح، بعيدا عن الحقيقة بل مجافيا لها في كثير من الأحيان، بهدف تحقيق غايات لا تهم سوى مستخدميه ومروجيه.
اضف تعليق