لو قلبّنا صفحات الدولة العراقية الحديثة لوجدنا الكثير من القصص المرعبة التي لا تمت للواقع بصلة رغم انها ليست من نسج الخيال، فمجرد البحث عن المحطات التي مرت بها الحكومات والشعب، تزدحم المخيلة ولا تجد تفسيرات لحجم الانقلابات وحالات عدم استقرار نظام الحكم فيها، وهنا اطرح العديد من الاسئلة المغلفة...
لو قلبّنا صفحات الدولة العراقية الحديثة لوجدنا الكثير من القصص المرعبة التي لا تمت للواقع بصلة رغم انها ليست من نسج الخيال، فمجرد البحث عن المحطات التي مرت بها الحكومات والشعب، تزدحم المخيلة ولا تجد تفسيرات لحجم الانقلابات وحالات عدم استقرار نظام الحكم فيها.
وهنا اطرح العديد من الاسئلة المغلفة بغلاف الحيرة وبعيدة عن التساؤل العلمي أقرب منها لتفسير الواقع المعاش، لماذا يصل الى سدة الحكم في العراق منذ العهد الملكي وصولا الى عام 2003، القادة العسكريون؟، وغالبا ما يكون هؤلاء القادة يحملون صفات الشر، ويكونوا شخصيات معقدة تحمل اضطرابات نفسية او تراكمات عدوانية حاقدة على الأوضاع السائدة، فيزداد البطش والخراب.
تخيل ان في العهد الملكي وحده تشكلت تسعة وخمسين وزارة، لا يتجاوز عمر الواحدة منها الثمان شهور او أكثر من ذلك بقليل، ولك ان تتصور حجم الفوضى السائدة في المجتمع والمناخ السياسي القائم في البلاد منذ عشرينيات القرن الماضي، الى اليوم الحالي، فأن تغيير الحكومات هو احدى سمات العقود الماضية.
ونستحضر هنا في ذات الإطار ما قاله الملك فيصل مضمونا وليس نصا، ان الشعب العراقي ينظر الى الحكومات وليس الى السياسيات، وكأن تغيير الحكومة هو المفك السحري الذي يفتح جميع العقد ويغير مجريات الاحداث، بينما تبقى الأوضاع ذاتها ولا توجد سياسة جديدة.
فلماذا هذه المتلازمة مع الحكام الذين يأتون عن طريق الدم والنار؟، فاغلب الحاكمين لا يمكن ان نعدهم شخوصا اسوياء، يمكن تحليل افعالهم وفق منطقيات علم النفس وعلم الاجتماع معا، فمن يقود الانقلاب، وكأنه وضعت على نظره غشاوة لا يميز بين الصواب والخطأ، وبين الأمور النافعة وغيرها الضارة، تتساوى عنده الأشياء ولم يفرز بين المجرمين والابرياء.
وبذلك ينسف جميع ما حققه الذي قبله، ويبدأ من جديد بوضع الأسس وفق نظرته الضيقة، واهواءه المريضة، فنراه يقصي هذا ويبعد ذاك، وكأنه ناقم على الشخصيات الوطنية منها والخائنة، ولا يريد بناء الدولة التي تكررت على لسانه مرارا، حين ارهقت مسامع الجمهور خطاباته الوطنية المكسوة بحب الشعب ومساندة الفقراء وتحسين ظروف معيشتهم.
آخر الحفلات الدموية والانقلابية التي حدثت في العراق هي التي قادها صدام حسين حين اجبر احمد حسن البكر على التخلي عن كرسي السلطة عام 1979، وفي حقيقة الامر انه تولى إدارة امن الدولة منذ عام 1969، عندما شكل جهاز حنين للمخابرات، فامسك بزمام أمور الملف الأمني في البلاد، ووقع العديد من الاتفاقيات مع بلدان جارة واوربية تخص مجالات شتى، من أهمها التعاون في المجال العسكري.
من يقرأ سجل الاحداث الحافل يعتقد ان المؤسسة العسكرية العراقية هي عبارة عن مخبأ للأشخاص الذين لديهم اضطرابات سلوكية، ويتخفون خلف الخطابات الوطنية والقومية، ثم تنكشف بعد ذلك وجوههم الظالمة القاتمة، المليئة بملامح المجرمين الذين زادت اعداد ضحاياهم ما داموا يديرون السلطة، فلم يخرج من تحت العباءة العسكرية حاكم يقدر حق شعبه في الحياة ويحي فيه حب الوطن وصناعة المستقبل.
وقد ظننا ان دخول قوات التحالف الى العراق في العقدين الأخيرين سيغير المعادلات وينهي عصر الحكام القتلة باسم الوطنية والقومية، فالمعروف ان الديمقراطية تنهي ما قبلها من حقب سوداوية، ولكن حال العراق لم يتغير كثيرا، وكأنه حالة شاذة ولا تنطبق عليها جميع المقاييس، فلا يزال الشعب يعاني القتل والجوع، ولا يزال المواطن قابع في وحل السياسية المتخبطة.
ولم تكن هذه الصورة تمثل قناعات فردية، بل وقائع حقيقية، لا يمكن انكارها او تفسيرها بتفسيرات أخرى، وهنا اود طرح سؤالا وحيدا ملحا، هل ان مشكلة العراق تكمن في الشعب ام في الطبقة السياسية الحاكمة، طالما ان العملية السياسية تجري في العراق بصورة ديمقراطية، فهل الشعب طيب لهذه الدرجة ام مخدوع لا يعرف اختيار ممثليه بإمعان؟
ومن الواضح جدا ان النخبة السياسية التي تدير زمام البلد في الوقت الحالي، لا تخلو من النزعة التي يحملها القادة العسكريون، لكن أيديهم مقيدة بمواد دستورية غير قابلة للتأويل، مع ذلك تم تأويلها في احيان كثيرة، وظهرت لنا بين الحين والآخر خروقات وتصرفات فردية تدلل على الشخصية الحاكمة العراقية تحمل ذات الجينات الحربية المعتمدة على تصفية الخصوم بمنطق القوة والاقصاء لا منطق التفاهم والالتقاء.
لقد مرت على العراق والعراقيين حقب زمنية وتجارب سياسية كثيرة، ولم نعثر لغاية الآن على أصل المشكلة التي جعلت من العراق بلدا غير مستقر من الناحية السياسية والأمنية والاقتصادية، فالمشكلة في العراق معقدة ومركبة في نفس الوقت، ويتحمل جزء كبير منها الشعب الذي لم يحسن الاختيار والتصرف في العديد من المواقف، ليقطع الطريق على كل من يتذرع بخدمة الوطن، فيقضي على طموح الشعب أولا، ويبني مجدا له ثانيا.
اضف تعليق