النمو السكاني الذي يشهده العراق يتطلب التفاته جادة من المعنيين لاستيعاب النمو المتزايد، ووضع تصاميم مدن حديثة معدّة من قبل متخصصين، فاليوم نحتاج لمشروعات عملاقة وبكلف متواضعة تتلاءم والظرف الاقتصادي الحالي الذي يعيشه البلد، بالاعتماد على الشركات المحلية، فهي تمتلك خبرات واسعة في المجال الانشائي، بعد سنوات التغيير الفائتة...
إذا كنت تسكن بإحدى المحافظات العراقية تصاب باللعنة عندما تكون لديك معاملة في احدى وزارات الدولة ودوائرها في بغداد، فقد تضطر المبيت عند صديق لك يسكن في العاصمة وإذا حصل ذلك فانت محظوظ مقارنة بأقرانك الذين يفتقدون لمثل هذا الصديق يتوجب عليهم الذهاب.
هذا الانزعاج يصيب الافراد لأنهم يعلمون بمصيرهم في اليوم التالي، فبالتأكيد انهم سيعانون من كثرة الازدحام المروري، وبعد الدوائر الحكومية والوزارات بعضها عن البعض الآخر، ما يصعب عليهم التنقل بسبب الاختناقات في الطرقات المكتظة بالسيارات والمارة وعربات الدفع اليدوي، وقد يضطرون الى المبيت مرة أخرى او الرجوع الى المنزل وشحذ الهمة لرحلة عصيبة في اليوم الجديد.
هؤلاء بالتأكيد سيفرحون عندما يقرأون توجه الحكومة العراقية الجديدة لتشييد عاصمة إدارية في بغداد، بعد ان وصلت الى قناعة تامة بضرورة التخلص من المشكلات التي تواجه الافراد المراجعين للدوائر الحكومية التي تتناثر بين جانبيها الكرخ والرصافة، في أماكن وزوايا من الصعب الوصول اليها.
فكرة المشروع قدحت في العام 2018 عبر دراسة قدمتها وزارة التخطيط تفيد بأنشاء مدينة إدارية جديدة للبلاد تضم جميع مؤسسات الدولة ومقارها بهدف تخفيف الضغط عن العاصمة التي تراجعت الخدمات فيها إلى مستويات خطيرة، واتبع فيها أكثر الأنظمة تعقيدا وتأخيرا للمواطنين.
وفي هذه الخطوة الحكومة العراقية تريد ان تكسر القاعدة وتحقق أحلام ملايين العراقيين في انشاء مدينة إدارية تتسم بالطابع الحضري والتقني في انجاز المعاملات، كما هو جاري في اغلب دول العالم التي شيعت المعاملات الورقية الى مثواها الأخير، وسهلت جميع التعاملات المرتبطة براحة المواطن.
مما يقلل نفقات السفر، والتخلص من اتعابه المتواصلة، فبمجرد الذهاب الى دائرة ما تجد جميع البيانات محفوظة، وتسير الأمور بعد ذلك بانسيابية كبيرة، هذا في حال تعذر التعامل مع البريد الالكتروني من قبل الأشخاص الاميين تقنينا، فكان هذا الاجراء الايسر بالنسبة لهم.
جرت العادة على اختيار مواقع لمثل هذه المدن في أطراف العواصم المفتوحة نسبيا لضمان عدم الاختناقات والعودة للمشكلة الأولى، ومراعاة لهذه الخاصية اختارت الحكومة العراقية الأطراف الغربي للعاصمة بغداد وأطلقت عليها اسم "الرفيل"، وهو اسم قديم لنهر في بغداد تعتقد المصادر التاريخية أنه يعود لشخص فارسي أسلم على يد القائد المسلم سعد بن أبي وقاص، إلا أن اسمه قد غلب عليه اسم نهر "عيسى" في العهد العباسي نسبة إلى عم المنصور عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس.
كما كان لأفلاطون الحق ان يحلم بإنشاء المدينة الفاضلة، فالعراقيين جميعا يراودهم نفس الحلم ببناء مدينة كل شيء فيها معيارا لتعزيز قيم التقدم والرقي، مدينة يجد فيها المواطن المراجع أرقى وأكمل أنواع الخدمات وبأسلوب حضاري بعيداً عن التعقيد وبعيداً عن الروتين ومن غير تسويف وبعيداً عن سوء التعامل.
الفرد العراقي اليوم يحتاج الى مدينة إدارية ليست فقط مختلفة بالمظهر فقط بل في كل شيء على المستوى الاداري، الى جانب ما تحتويه من مجمعات سكنية وتعليمية وطبية تجارية وترفيهية يمكن ان تكون فرصة استثمارية وافاق عمل آخر يشغل آلاف الشباب العاطل عن العمل.
وتبقى الفرحة منقوصة بسبب اعتراضات أهالي الأراضي الزراعية الذين لديهم عقود مع وزارة الزراعة منتهية الصلاحية، لكنهم يرفضون اخلاء الأراضي بدعوى وقوفهم بوجه التغيير الديموغرافي، وأقران هذه الخطوة بالتغيير المنشود من الصبغة السنية الى صبغة أخرى، وتبقى هذه المسألة محل خلاف دخل على خطه أعضاء برلمان ورؤساء أحزاب سياسية معروفة.
النمو السكاني الذي يشهده العراق يتطلب التفاته جادة من المعنيين لاستيعاب النمو المتزايد، ووضع تصاميم مدن حديثة معدّة من قبل متخصصين، فاليوم نحتاج لمشروعات عملاقة وبكلف متواضعة تتلاءم والظرف الاقتصادي الحالي الذي يعيشه البلد، بالاعتماد على الشركات المحلية، فهي تمتلك خبرات واسعة في المجال الانشائي، بعد سنوات التغيير الفائتة.
كل ما تكلمنا حوله يخضع لقانون التوافقات السياسية والمصالح الحزبية، فربما يتأثر القرار ويذهب بأدراج الرياح، ويبقى الحلم قائم بان نرى معالم المدينة الفاضلة التي يتوق لها ملايين البشر.
اضف تعليق