الإدارة الأمريكية التي تتشدق بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية تقتل شعبها... ولا يتوقف مسلسل العنف والعنصرية الذي تمارسه الشرطة الأمريكية ضدّ مواطنيها، وفي هذا السياق، عبرّت منظمات حقوقية ومؤسسات دولية عن قلقها بشأن عنف الشرطة الأمريكية والاستخدام المفرط للقوة، ناهيك عن قضية التمييز العنصري...
يستمرُ عنف الشرطة الأمريكية بقتل المئات من المشتبه بهم في كل عام، والجديد هذه المرّة، قتل الشرطة الأمريكية شاباً في مدينة ألاميدا بولاية كاليفورنيا في جريمة مماثلة لقتل جورج فلويد العام الماضي في مينيابوليس. ومن باب الواضحات من المفضحات، فقد نشرت شرطة المدينة الثلاثاء 27/04/2021 تسجيل فيديو يظهر فيه عناصر الشرطة يحاولون تقييد يدي الشاب غونزاليس (26 عاما)، في حديقة عامة بعد رفضه تسليمهم أوراقه الثبوتية، وبهدف إخضاعه، طرحه العناصر أرضاً، وضغط أحدهم بركبته على كتفه وضغط آخر بمرفقه على ظهره في حين ردد الشاب "لم أفعل شيئا"، وبعدها لاحظ الضباط أن غونزاليس فقد الوعي، ولم يعد لديه أي نبض بجسده ولم يعد يتحرك، فبدؤوا بمحاولة إنعاشه بالضغط على صدره ولكن دون جدوى، وأعلن المستشفى وفاته عند وصوله.
للأسف، فحلقة العنصرية والعنف الأمريكية لم تنته مع عهد الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، بل هاهي شرطة الإدارة الأمريكية الجديدة تفتح مزيداً من نار تصعيدها ضد مواطنيها في عهد الرئيس الحالي "جو بايدن"، بما يكشف كذبه بتقديم وعود زائفة بحياة أفضل للأمريكيين أثناء حملته الانتخابية. فجرائم العنف وفضائح العنصرية في الولايات المتحدة ولا سيما من قبل شرطتها تتكرر بشكل متواتر رغم الوعود الكثيرة التي أطلقها سياسيون بمن فيهم الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بوضع حد لها، وليست جريمة قتل غونزاليس أو رايت أو فلويد أو غيرهم الكثيرين من المتحدرين من أصل أفريقي أو آسيوي أو لاتيني، حادثة معزولة أو وحيدة بل تندرج في إطار نمط معين تسير عليه الشرطة الأمريكية عند التعامل مع مواطنيها. وتكرار مثل هذا النمط من الجرائم العنصرية بامتياز لم يتوقف رغم الدعوات لإعادة هيكلة جهاز الشرطة بأكمله، فمفهوم العداء العنصري متأصل في المجتمع الأمريكي وبغض النظر عن إدراك كثير من الأمريكيين لهذه الحقيقة إلا أن الواقع العنصري قائم وباق ولا يختلف فيه سوى أسماء الضحايا.
وهنا لابد من التساؤل: لماذا لم تتغير الصورة البشعة رغم مجيء إدارة جديدة برئاسة جو بايدن؟ بل إن السؤال الأدق والأهم هو: لماذا لم تغير هذه الإدارة من تلك الصورة السوداوية، وهي الإدارة التي وعدت الأمريكيين بعهد ورديّ خال من العنصرية، ثم لماذا لم يتعظ فريق "بايدن" بنتائج ما جرى من جرائم عنصرية أثناء ولاية "ترامب"، ولاسيما بعد مقتل مواطنهم الملون (جورج فلويد) على يد شرطتهم العنصرية، وما أحدثه ذلك من انقسام حاد في مجتمعهم؟
الإجابة عن هذه الأسئلة المهمة لا تحتاج إلى كثير عناء لمعرفتها، فأمريكا العنصرية هي ذاتها في عهد "بايدن" أو "ترامب" أو سواهما، والممارسات العنصرية غير الإنسانية بحق الملونين والأعراق الأخرى هي (ماركة) مسجلة لأمريكا بغض النظر عمن يحكمها، كما أن التمييز العنصري الممنهج موجود في كل مفاصل مؤسساتها وليس فقط في الشرطة وهيئات الحفاظ على القانون، وهذا الكلام صدر بآلاف الشهادات من قبل أصحاب البيت، من سياسيين وإعلاميين وباحثين أمريكيين، وليس من بنات أفكارنا. لهذا كله لا عجب أن تشهد معظم الولايات الأميركية مجدداً احتجاجات ومظاهرات مناهضة للعنصرية، ومنددة بالسياسات المتبعة ضد المواطنين من أصول آسيوية وأفريقية ومن سكان جزر المحيط الهادئ، ولا عجب أيضاً أن ترتفع الأصوات المطالبة بإيقاف الكراهية ضد الآخرين، لأن قوانين أمريكا ومؤسساتها مازالت تقوم أساساً على (العنصرية)والكراهية.
للأسف المأسوف على شبابه، أنّ الإدارة الأمريكية التي تتشدق بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية تقتل شعبها... ولا يتوقف مسلسل العنف والعنصرية الذي تمارسه الشرطة الأمريكية ضدّ مواطنيها، وفي هذا السياق، عبرّت منظمات حقوقية ومؤسسات دولية عن قلقها بشأن عنف الشرطة الأمريكية والاستخدام المفرط للقوة، ناهيك عن قضية التمييز العنصري وكان الأمين العام لمجلس أوروبا ''ثوربيورن يغلاند'' قد أكّد سابقاً أن أعمال الشرطة الأمريكية هذه ''تعدّ خرقاً لكل القوانين والمواثيق الدولية''. أما منظمة العفو الدولية ''أمنستي''، فقالت: إن ''الشرطة الأمريكية تفشل في شتى أنحاء البلاد اتجاه التزاماتها القانونية الدولية وفي احترام وتسهيل الحق في الاحتجاج السلمي، مما يفاقم الوضع المتوتر ويعرض حياة المتظاهرين للخطر، ويجب وقف جميع أشكال القوة غير الضرورية أو المفرطة على الفور''.
وللذين على عيونهم غشاوة، فأمريكا هي أرض معركة أكثر من كونها وطناً، حيث تعمل جميع الأجهزة بشكل مشترك مع الحكومة والسلطات المحلية ضد مصالح معظم سكان الولايات المتحدة، فيمكن إلقاء القبض على أي شخص وإلصاق تهمة له ومقاضاته وسجنه لأي سبب من الأسباب أو دون أي سبب على الإطلاق، بتوجيه من إدارة الرئيس، يمكن قتل أي مواطن أمريكي داخل البلاد أو خارجها. وبالإمكان القبض على آخرين واحتجازهم لأجل غير مسمى دون توجيه تهم لهم في السجون العسكرية، فإرهاب الدولة هو السياسة المطبقة في الداخل والخارج، وذلك هو العمل الذي تقوم به شرطة الدولة. وعلاوة على ذلك، الحرية وحقوق الإنسان وغيرها من القيم الديمقراطية غير معمول بها، فدعم ما هو حق شيء خطير، ومن يخاطر بتحدي واشنطن في السيطرة على العالم تكون عقوبته الاضطهاد أو الموت، وبذلك تعتبر أمريكا غير صالحة أو آمنة للعيش فيها. هذه هي حقيقة البيت الداخلي للنظام الأمريكي الغريب العجيب، القائم على سياسة التكاذب والنفاق، هذه السياسة التي أودت بجلال ''الوقار الديمقراطي'' الذي حرصت أمريكا على تظهيره كهويةٍ مميزة، وبالمقابل طمس أي صورة مغايرة، والعمل على رسم صورة ''مخملية'' لا تمت للواقع بصلة.
إن الدروس الأمريكية في الديمقراطية وحقوق الإنسان، تحولت بعد قتل الشرطة لمواطنين أمريكيين أبرياء، على سبيل المثل لا الحصر، غونزاليس أو رايت أو فلويد... تحولت إلى تساؤلٍ كبير، عن مدى مصداقية هذا النهم الأمريكي للتشاطر و''الأستاذية'' في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان! ويبدو أن الدرس الأمريكي، في زمن الكورونا، جاء في الوقت المناسب تماماً، ولعله من المصادفات الحسنة القليلة بل النادرة، أن يتزامن مع حالة ''السعار الديمقراطي والحقوقي'' التي انتابت هذا النظام، الذي فرَّغ هذا الشعار من محتواه، بل تلاعب بـ''مورثاته''، فحوله ''سلاحاً هجومياً'' ينقض به على كل من تسول له نفسه مخالفة آرائه وتوجهاته، أو التغريد خارج سرب سياسته، وسيفاً مسلطاً على رقاب الشعوب لا الأنظمة، فالمشكلة الحقيقية للنظام الأمريكي العقيم، لم تكن يوماً مع الأنظمة، بل مع الشعوب، بوصفها الحامل الأساسي للقيم المتوارثة في مجتمعاتها، والمنتج الحقيقي للنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تنشأ من خصوصياتها.
إن حوادث قتل المواطنين الأمريكيين المتكرّرة، أثارت تساؤلات كثيرة حول هذه التجاوزات وعدالة القضاء الأمريكي، وبحسب بعض الخبراء فإن هذه الممارسات قد أثبتت زيف الشعارات التي ترفعها الولايات المتحدة بخصوص الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان، ولعله من المناسب أن أؤكد، أنّ الكلام المنمق الذي تستخدمه الإدارات الأمريكية المتعاقبة للترويج "للمساواة والعدالة المتحققة في المجتمع الأمريكي"، ليس إلا شعارات خادعة لإخفاء الصورة القبيحة لحقيقة الداخل الأمريكي، وكي نكون دقيقين أكثر لابدّ من أن نذكّر هنا بما قاله "جو بايدن" نفسه يوماً ما، وحرفياً: (يجب أن نواجه تصاعد التطرف السياسي وتفوق البيض والإرهاب الداخلي)، فعبارته هذه كفيلة بكشف المستور الذي يجزم بأن أمريكا تنتج التطرف والعنصرية والكراهية والإرهاب، وتتبنى فكرة تفوق العرق الأبيض على غيره من الأعراق، مع إضافة بسيطة جداً على هذه الحقيقة، وهي أن شعارات "بايدن" مجرد شعارات براقة للاستهلاك والتعمية والتضليل، وأمثلتها واضحة في تعامله مع كل قضايا العالم، وأما الواقع فيشير إلى استمرار عجوز البيت الأبيض وفريقه بإنتاج الكراهية والتطرف والعنصرية والإرهاب، وإن ضللوا العالم وقالوا بأنهم سيواجهونها!
خلاصة الكلام: أمريكا اليوم، كما يقول المحلّلون السياسيون، مهدّدة بأن تأكل نفسها، ليس من خارج الدولة، وإنما من داخل الدولة نفسها، وهذا يرجع في رأيهم إلى ربط أمريكا مصير الديمقراطية وحقوق الإنسان، بالنمو الهائل لقوة الأجهزة العسكرية والاستخباراتية التي تعمل وفق قوانين بوليسية خاصة بها، بما فيها برامج المراقبة والتجسس على الشعب الأمريكي، والعالم برمّته، ويبرز ذلك ويكشفه كل مَنْ كان يعمل في دهاليز سياساتها ومخططاتها السرّية.
اضف تعليق