أثيوبيا أعلنت أنها ماضية قدما في خططها للملء الثاني لخزان سد النهضة لإتمام مشروعها، وهذا لن يتم إلا في تموز الذي هو موسم سقوط الأمطار عليها، من جانبهما مصر والسودان تعتبران أن الملء الثاني للخزان قبل التوصل لاتفاق ملزم مع أثيوبيا يراعي مخاوف البلدين بمثابة إعلان حرب...
المتتبع لأحداث أزمة سد النهضة يلمس تطورات مهمة ربما ستكون خلال الأسابيع المقبلة القليلة قبل حلول شهر يوليو/تموز القادم، لأن أثيوبيا أعلنت أنها ماضية قدما في خططها للملء الثاني لخزان سد النهضة لإتمام مشروعها، وهذا لن يتم إلا في شهر تموز الذي هو موسم سقوط الأمطار عليها، من جانبهما مصر والسودان تعتبران أن الملء الثاني للخزان قبل التوصل لاتفاق ملزم مع أثيوبيا يراعي مخاوف البلدين بمثابة إعلان حرب، وتسعيان بكل السبل لمنع أثيوبيا من الملء الثاني بدون اتفاق.
أهمية الملء الثاني للخزان
حسب ما ينقله أرباب السياسة في السودان: أنه إذا تم الملء الثاني لخزان سد النهضة سوف لن تكون هناك أي وسيلة ضغط تمارسها مصر والسودان على أثيوبيا لمنعها من إكمال السد قبل التوصل إلى اتفاق، ومن أجل المراوغة في هذا المنع لابد من طريقتين: اما المفاوضات، وهي قد تعثرت منذ عشر سنين وكانت آخرها في كينشاسا في الكونغو الديمقراطية التي انتهت بالفشل لنفس الأسباب التي فشلت بسببها كل المحاولات السابقة منذ عام 2011 وإلى وقتنا هذا.
والحل الثاني هو المضي بتهديد أثيوبيا بتدمير السد، وحول هذا الخيار لا يوجد أي تصريح واضح المعنى يحمل تهديد بتدمير السد لكن هذا ما سيفرضه الواقع، وإذا أريد أن يتم تدميره فلابد من القيام بذلك قبل الملء الثاني للخزان.
فعند اكتمال ملء خزان سد النهضة ستكون كمية المياه المحتجزة 74 مليار متر مكعب من المياه، حيث بدأت أثيوبيا بالعمل على الملء الأول في يوليو/ تموز الماضي 2020 واحتجزت حوالي 5 مليار متر مكعب من المياه، وأعلنت في وقتها أن المرحلة الثانية ستكون في يوليو 2021، وبعد إجراء التخزين الأول قامت بالعمل على تهيئة الاستقبال للملء الثاني وذلك برفع جسم السد للحد المقرر، وإذا ما تمت هذه المهمة فيكون من الضروري ملء الخزان لرفع المياه إلى الحد المقرر لها داخل السد للاستفادة القصوى وخدمة المشاريع المقامة، فأثيوبيا ماضية في الأعمال الخاصة برفع جسم السد، ومصر والسودان تسعيان إلى توقف العمل عن هذا المشروع والاكتفاء بالملء الأول.
لأنه إذا استمر الفشل بإجراء المفاوضات ربما سيكون اللجوء إلى الخيار الثاني واستخدام الحل العسكري لتدمير السد الحاوي على حوالي 5 مليار متر مكعب من المياه والتي تشكل تهديد نسبي بإغراق أراضي السودان قياسا إذا كان السد يحوي على 18 مليار متر مكعب من المياه بعد الملء الثاني للخزان فسيكون تدمير السودان (بحسب خبراء متخصصين) عنيف جدا كالقنبلة النووية، وربما لن تتحمله دولة مثل السودان، مما يعني إذا تم الملء الثاني للخزان سيكون الخيار العسكري مستبعد جدا ولا يبقى عند مصر والسودان إلا الجلوس حول طاولة المفاوضات مجددا مع أثيوبيا، لكن في هذه المرة لن تكون لدى مصر والسودان القدرة على التفاوض مع أثيوبيا لأن الأخيرة ستكون صاحبة الكلمة العليا وعلى الجميع الرضوخ إلى مطالبها.
مخاوف مصر والسودان من المشروع
هناك مخاوف عند مصر والسودان من إكمال أثيوبيا مشروعها الأسطوري (سد النهضة) وتندرج تحت ثلاثة مخاوف:
الأول: إصرار أثيوبيا على ملء السد وتشغيله دون اتفاق ملزم مع مصر والسودان.
الثاني: إصرار أثيوبيا على الحرية في بناء سدود أخرى على النيل الأزرق.
الثالث: مطالبة أثيوبيا بأن يكون لها حصة في مياه النيل الأزرق.
وكل أمر من هذه المخاوف تحتاج إلى بيان تفصيل مهم يتلخص بالتأثير الشديد على حصة مصر والسودان من مياه النيل، وإذا ما نجحت أثيوبيا بفرض هذه التصورات الثلاثة فإنها ستكون صاحبة الكلمة الأولى في المنطقة ويكون بيدها أقوى سلاح للتأثير على القرارات السياسية والاقتصادية فيما يخص البلدين، أضف إلى أن المخاوف الكبيرة عند مصر بأنها مهددة بالجفاف بسبب انخفاض منسوب مياه السد العالي المصري لقلة كمية المياه التي سترد من أثيوبيا بسبب ملء خزان سد النهضة الذي سيكون المغذي الوحيد لأراضي وسدود مصر والسودان.
والمثير بالأمر أن أثيوبيا عازمة على إنشاء سدود أخرى تقدر بثلاثة سدود غير سد النهضة على نهر النيل الأزرق والتي تقدر مساحة التخزين فيها حوالي 100 مليار متر مكعب من المياه مضافا إليها 74 مليار متر مكعب لسد النهضة، مما يعني أن التأثير سيكون عنيف جدا على مصر والسودان.
سيناريوهات متوقعة
السيناريوهات المتوقعة للأسابيع المقبلة لتطور أحداث ملء خزان سد النهضة تتمثل بالآتي:
الأول: أثيوبيا تتراجع عن موقفها وتقرر تأجيل الملء الثاني لخزان سد النهضة، والأمر الذي يدفعها للتراجع هو إما أن تعيد حساباتها وتدرك أن مصر والسودان ستلحقان ضررا عسكريا عنيفا في أثيوبيا إذا ما تم العمل بالملء الثاني، والضرر العسكري أقوى بكثير من الفوائد المترتبة بملء الخزان.
أو أن القوى الكبرى المؤثرة تعطي الموقف المتشنج أولوية في حساباتها وأهمية واضحة لأنه إذا ما حصل صدام بين مصر وأثيوبيا سيكون تأثيره عنيف جدا على القرن الأفريقي وشرق أفريقا والعالم العربي والبحر المتوسط والاتحاد الأوروبي وستحدث فوضى كبيرة جدا، مما يستدعي تدخل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي اللاتي تعد من أهم القوى التي تؤثر على القرار الأثيوبي.
الثاني: على فرض أن القرار الأثيوبي ماضي بتطبيق خطة الملء الثاني لسد النهضة ولم تنجح تدخل القوى المؤثرة على القرار الأثيوبي، فلن يكون أمام مصر والسودان إلا الخيار الثاني وهو التدخل العسكري الساعي إلى تدمير سد النهضة الآن قبل أن يصبح أمر واقع، وهذا الخيار بطبيعة الحال أمر صعب جدا وله تبعات خطيرة ولكنه قد يكون الحل الوحيد المقترح أمام مصر والسودان في الفترة القادمة.
اضف تعليق