q
ولا ضير من أنْ تعبّر السياسة عن الأيديولوجيات وتدافع عنها وتبرّرها، لكن من دون محاولة تسفيه الآخر، والاصرار على اعتباره عدوا، لا منافسا، ولا شك في انّ الاستقطاب الإقليمي، والتوتر الطائفي، والثقافة المحلية العشائرية والدينية، وتداعيات الإرهاب، أثّرت كثيرا في مظاهر العمل السياسي وكياناته بالعراق...

انطلقَ التصنيف التأريخي للبرلمانات، إبان الثورة الفرنسية، حين جلس المعارضون على يسار الجمعية العمومية، في حين أحتلّ يمينها، المحافظون المدافعون دوما عن السياسات النقلية، لكن هذا التصنيف يجد صعوبة كبيرة في تطبيقه على مجلس النواب العراقي الفتيّ الذي انطلق بعيد غزو العراق، العام 2003، واسهم في تشكيل خريطة سياسية قلقة، تتداخل فيها تيارات وأحزاب واتجاهات، من اقصى التيار المحافظ، الى المدنية والعلمانية، والليبرالية، فضلا عن المناطقية.

وسط كل ذلك، يمكن تمييز محورين أساسيين، الأول تمثّله قوى ذات مرجعيات عُرفية محافِظة وهو ما يعد يمينا، وفق القاموس السياسي المتداول، وقوى مدنية أو علمانية، وقد ازدادت قوة هذا التيار منذ التظاهرات التي انطلقت في مطلع تشرين أول 2019.

ولغاية العام المذكور، وجّهت الأحزاب المعروفة تقليديًا بأحزاب السلطة، مدار الأحداث، ثم أظهرت التظاهرات كيانات سياسية جديدة، حرّكت ديناميكيات ناشطة في مجال العمل السياسي، والحزبي، والتفاعل مع الجمهور.

وعلى الرغم من غياب بيانات الخبراء والاستطلاعات، للمواقف الأيديولوجية للأحزاب، ومدى تأثيرها في الجمهور، الا ان النظرة العامة، تفيد بصراع واضح بين القوى الفاعلة يستند الى المتضاد الديني-العلماني، فضلا عن انقسام أيديولوجي عميق بين اتجاهين متناقضين.

أدّت التراكمات السياسية والاحداث، منذ 2003 الى صعود شعبوية اليمين، واليسار، على حد سواء، ما يترك اليوم بصمة قوية على مسالك الاحداث، فالشعبوية اليسارية واضحة في أجندتها التعبوية التحريضية ضد الأحزاب المحافظة، صاحبة النفوذ، وصاحبة الأجندة الشعبوية المتطرفة أيضا.

إنّ التظاهرات العارمة التي فجرّها الشباب في مختلف المدن، قّدمت شروحات جديدة، تساعد على فهم الديناميكيات الاجتماعية التي سهّلت التجمعات الاحتجاجية الحاشدة، التي نجحت في إثبات كينونة لها في مسار الأحداث، ممثِّلة لتيار اليسار، وفق التصنيف التقليدي.

لقد كان للخطاب الشعبوي الذي تبنّاه كل من اليسار واليمين، دور حاسم في التأسيس لحالة احتقان سياسي واضح لا يزال مستمرا الى الآن، بسبب عدم اعتراف الطرفين ببعضهما، وغياب الحوار، ما زاد من حالة التشظي السياسي، وانعدام فرص التسويات، بين الخصوم الراديكاليين.

تمتد آثار ذلك، الى التحالفات المتشكّلة، التي لم تعد تستند الى تطابق أيديولوجي، بل الى السبل الناجعة، التي تضمن المصالح السياسية، وعلى رأسها، المقاعد البرلمانية.

وبصورة أكثر وضوحا، فانّ النخبة السياسية والبرلمانية، تنقسم في العراق الى خليط متنوع من أحزاب يمين ويسار ووسط، حيث أبرز مطالب اليمين، تطبيق الشريعة الإسلامية، بينما اليسار يرفض ذلك، كما ان لكليهما، مواقفهما المضادة من الصراع الإقليمي.

ولا ضير من أنْ تعبّر السياسة عن الأيديولوجيات وتدافع عنها وتبرّرها، لكن من دون محاولة تسفيه الآخر، والاصرار على اعتباره عدوا، لا منافسا.

ولا شك في انّ الاستقطاب الإقليمي، والتوتر الطائفي، والثقافة المحلية العشائرية والدينية، وتداعيات الإرهاب، أثّرت كثيرا في مظاهر العمل السياسي وكياناته بالعراق.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق