q

منذ اليوم الأول لظهور داعش في العراق وبعد استماعنا لخطابات ممثليها الطائفية المتخلفة ثم ممارساتها الدموية ضد من تعتبرهم كفارا كان واضحا انها أداة امبريالية اسرائيلية لتمزيق وحدة شعبنا وتخريب نسيجه الاجتماعي عبر زج مكوناته في صراعات فيما بينهم حول السلطة والمال والنفوذ. هذا من جانب، ومن جاب آخر الدفع بالعراق للافلاس الاقتصادي، فصناع داعش على المام كاف بموارد العراق المالية المعتمدة على صادرات النفط التي انخفضت اسعاره الى النصف. ولاجباره على الاستسلام والقبول بشروطهم المذلة للحصول على القروض المالية سواء من صندوق النقد الدولي أو جهات أخرى لتمويل ميزانية الحرب المفتوحة مع داعش فقد أوعزوا لأحد عملائهم في الحكومة العراقية بالاقتراح عليها برهن نفط البصرة مقابل قروض تقدمها شركة النفط لتمويل الحرب على داعش.

ومع المصاعب الاقتصادية التي تزداد تعقيدا تلوح الولايات المتحدة بتقسيم العراق كمخرج لاستقرار المكونات العراقية وكأن المكونات هي التي تقطع رؤوس بعضها البعض وليس صنيعتهم داعش كما يروج لذلك وزير دفاعها أشتون كارتر. فخلال اجتماع لمجلس الشئون العسكرية الأمريكي يوم الاربعاء 186 الجاري أعلن وزير الدفاع هذا ان الرئيس أوباما بدا مستعدا الآن للقبول بتقسيم الدولة العراقية الموحدة. وتساءل كارتر: ماذا لو ان عراقا متعدد الطوائف أصبح غير ممكن..؟؟ ويرد قائلا:

" ان هذا يعتبر جزء مهما من سياستنا الاستراتيجية حاليا على الأرض. اذا لم تقم الحكومة العراقية بما يفترض أن تقوم به فاننا سنظل نحاول مساعدة القوات المحلية اذا ما رغبوا في التعاون معنا لإبقاء الاستقرار في العراق، لكن لن تكون هناك دولة عراقية موحدة." تصريحات وزير الدفاع الأمريكي هذه يجب ان تواجه بإدانة شديدة من جانب الحكومة العراقية وكل المنظمات والاحزاب السياسية في العراق وخارجه. وكانت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية القريبة من هيئة الاستخبارات السي آي أيه والمعبرة عن اللوبي الاسرائيلي في أمريكا مقالا للكاتب جارلس كراوثيمر قال فيه: " ان الحدود القديمة قد زالت ولن يعترف بعد الآن بسوريا والعراق كدولتين موحدتين وبأن خريطة سايكس – بيكو تعتبر من الآن ملغاة." المتابع لتصريحات الساسة الاسرائيليين في وسائل الاعلام داخل وخارج اسرائيل سيجد الكثير من الآراء المطابقة لما ورد في مقال الصحيفة.* والأكثر من ذلك ان مقال المدعو كراوثيمر يعبر تماما عما جاء في الخطة الصهيونية لدولة اسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل التي نشرت للمرة الأولى نهاية القرن التاسع عشر وبوشر بتنفيذها على الأرض الفلسطينية كمرحلة أولى مع نهاية الحرب العالمية الأولى. ( راجع مقال " Oded Yinon " المشار اليه في أسفل المقال. **

أما ما صرح به وزير الدفاع الامريكي فيكذب كل الادعاءات التي يتحدث بها المسئولون الامريكيون بما فيهم رئيس القصر الأبيض نفسه. فقبل اسابع أكد أوباما أمام عدسات مصوري وسائل الاعلام العالمية بحضور رئيس الوزراء العراقي الى جانبه أنه يعتقد أن من الأفضل للعراق ان يبقى موحدا وان الهدف الرئيسي من مقاومة داعش هو تأكيد سيادة العراق. وفي المؤتمر الدولي لقوى التحالف ضد داعش الذي انعقد في باريس في 36 الجاري وحضره وزراء ومسئولون من عشرين دولة غربية بما فيها دول الناتو ووزراء كل من السعودية ودول الخليج والعراق الذي مثله رئيس الوزراء حيدر العبادي. ومع أن حضور ومشاركة ايران وسوريا وروسيا في المؤتمر كان ضروريا ومهما لكونها تشكل أهدافا لداعش فلم تدعى للمشاركة في المؤتمر الباريسي " لسبب في نفس يعقوب". وكان العبادي قد وجه نقدا لدول العالم وخاصة الدول الغربية لفشلها في معارضة داعش التي تتقدم في كل من العراق وسوريا بنفس الوقت الذي يتدفق مقاتلوها الى البلدين بكل حرية. وقد بين نائب وزير الدفاع الامريكي الذي كان حاضرا في كلمته الى المؤتمر " ان واشنطن وحليفاتها تنفذ ستراتيجية النجاح وانها ستنجح اذا ما بقيت دول التحالف موحدة وواعية." أما في الواقع العملي فالولايات المتحدة مصدر قوة ودعم وغطاء جوي لداعش كلما واجهت هجوما وتقدما ملحوظا من جانب القوات العسكرية العراقية. ***

ان كل الدلائل تشير الى سعي حثيث من جانب الولايات المتحدة الى تقسيم بلادنا وشرذمة شعبنا متجاهلة القانون الدولي وارادة الأكثرية الساحقة من العراقيين. وتحت حجة الدفاع عن هذا المكون او ذاك تعيد ترتيب تواجدها الدائم في العراق لخدمة مصالحها الجيوستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط والعالم. ويجري الآن بناء قاعدة عسكرية كبيرة في الانبار لتعزيز وجود دائم لقواتها العسكرية في تلك المنطقة الواسعة الغنية بالموارد الطبيعية وخاصة الغاز الطبيعي. وفي الوقت نفسه يجري بناء عدة قواعد عسكرية ضخمة في كردستان في كل من مدينة اربيل والسليمانية القريبة من الحدود الايرانية لإعادة بناء منظومة التجسس على النشاطات الايرانية والروسية ودول أسيا الوسطى التي كانت فعالة ابان حكم الشاه لكنها انهارت بعد الاطاحة بنظامه عام 1979.

الولايات المتحدة الامريكية التي تعيد تعزيز وجودها ونفوذها في بلادنا تسعى بجهود محمومة محاصرة روسيا كمحاولة منها لإفشال خطط الأخيرة لاستعادة نفوذها في الدول التي انسلخت عنها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وبالتالي منعها من استعادة موقعها كقوة عالمية عظمى من جديد. وتنفيذا لهذا الهدف تسعى الى تغيير انظمة الحكم الحالية في دول الاتحاد السوفييتي السابق التي مازالت ترتبط بعلاقات اقتصادية وسياسية مع روسيا. ويبدو ان جهودها قد نجحت أخيرا في تفجير الوضع في كل من أرمينيا واذربايجان اللتان تحتفظان بعلاقات صداقة وتعاون وثيقة مع روسيا. وقد مهد الأمريكيون لذلك بإرسال بعثات دبلوماسية اضافية جلها من المحافظين الجدد أنصار اسرائيل بقيادة نائبة وزير الخارجية لشئون أوربا فكتوريا نولاند وسوزانا رايس مستشارة الأمن القومي وسامانثا باور سفيرة أوباما في الامم المتحدة.

لايمكن نكران حقيقة ان الرئيس أوباما يخضع لضغوط المحافظين الجدد المهيمنين على مجلسي الكونغرس وزارة الخارجية ووزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات التي يصل عددها الى 17 عشر هيئة فعالة في اجهزة الدولة كافة والعالم. ينخر في البعض من تلك الهيئات اذا لم يكن في جميعها الفساد وترتبط بصلات مصالح مع الشركات الكبرى الموالية لليمين المتشدد الأمريكي وخاصة في صناعة السلاح المؤسسة الأقوى في النظام الرأسمالي الأمريكي التي تقف وراء كل الحروب الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط السابقة والحالية. فخلال الأيام القليلة الماضية حكم على عدة عسكريين بتهمة تقاضيهم الرشوة بينهم جنرالا كبيرا في الجيش لقبوله رشوة بحوالي نصف مليون دولار مقابل عقود سلاح قيمتها بلايين الدولارات. اليمين الأمريكي ممثلا بالمحافظين الجدد المهيمنون على مجلسي الكونغرس من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي فمعروفون بمعارضتهم لكل سياسات الرئيس الامريكي الخارجية وخاصة تجاه ايران وروسيا والموضوع الفلسطيني.

ليس هذا دفاعا عن الرئيس اوباما، بل هو الواقع والدليل القريب على ذلك محاولة اليمين الموالي لإسرائيل في الكونغرس والخارجية عرقلة التوصل الى اتفاق مع ايران حول ملفها النووي كشرط لرفع العقوبات الاقتصادية عن الشعب الايراني. ذنب العراق انه معارض صلب للمشاريع الامريكية الاسرائيلية في المنطقة ولأنه ليس للعراق تأثير على صناع السياسة في الولايات المتحدة فقد بدا وكأنه لقمة قابلة للبلع، لكن يبدو أنهم قصيرو الذاكرة. ستفشل خطة تقسيم بلدنا كما فشلت خطة احتلاله عندما جربوا الاستقرار فيه، وعليه فالعراق الذي يحاولون كسر كبريائه بشراء ضمائر وذمم عديمي الشرف والوطنية سيثبت لهم حقيقته التي تجاهلوها ويجهلوها فليجربوا فنحن بالانتظار سنة وشيعة مسلمون ومسيحيون وأيزيديون وصابئة متدينون وكفار مصممون على العيش معا والموت معا.

.................................
*- James Cogan
"The US contemplates partitioning Iraq, wsws.org 22/6/2015
** - "Oded Yinon Plan". “Greater Israel”: The Zionist Plan for the Middle East, Global Research April 29, 2013
***- Bill Van Auken, US arming of ISIS, wsws.com,3/6/2015
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق