انتاج المجتمع لدولته الصالحة عملية طويلة، تستغرق وقتا وتتطلب جهدا، والذين يتطلعون الى انتاج دولة صالحة عليهم ان يتحلوا بالصبر والاستعداد للتضحية والبذل والعطاء، بعض القراء سوف يتهمون هذا المقال وكاتبه بالتنظير. ويقولون شبعنا من التنظير، وقد يكونون محقين بسبب استمرار معاناتهم لفترة طويلة، لكنهم...
قد يجادل البعض في اولوية الدولة او المجتمع، وهذا ليس جدالا مثل موضوع البيضة او الدجاجة، لان التاريخ القديم، والحديث، والتحليل الموضوعي كلها تفيد ان المجتمع قبل الدولة، وان المجتمع هو الذي يقيم دولته، ويقيمها على شاكلته.
اولا، في التاريخ القديم، قبل حوالي 7 الاف سنة، نشأت اولا التجمعات البشرية، على شكل قرى زراعية صغيرة، ثم بعد فترة طويلة نشأت الدول. كانت البداية في وادي الرافدين، حيث بدات “السلطة الاجتماعية” في الظهور، ثم “السلطة السياسية”، فقيام دول المدن.
ثانيا، الدول الحديثة (بعد معاهدة وستفاليا عام 1648) نشأت بفعل تطور مجتمعاتها: الثورة الانكليزية في عام 1688، والثورة الاميركية بين عامي 1775 الى 1783، والثورة الفرنسية عام 1789، وهكذا.
ثالثا، واجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والسياسية (البرلمان، الحكومة، الشرطة، الاحزاب، الموظفون الحكوميون، المدرسون .. الخ) هم من ابناء المجتمع، يؤثر سلوكهم الفردي على سلوكهم العام، فان صلحوا صلحت هده الاجهزة والمؤسسات، والعكس بالعكس.
رابعا، والدولة في نهاية المطاف شخصية معنوية قانونية، تتألف من عدة عناصر اولها واهمها الشعب. فمن الطبيعي ان تتأثر الدولة، صلاح وفسادا، بحجم الصلاح او الفساد في الشعب.
لهذا نقول ان اصلاح الدولة، اي الاصلاح السياسي والاداري بالدرجة الاولى، يتطلب الاصلاح الاجتماعي او الشعبي. والعمليتان تسيران جنبا الى جنب، ومتداخلتان، تؤثر احداهما بالاخرى.
واذا كان الاصلاح السياسي يمكن ان يتم عن طريق الانتخابات، اذا توفرت شروطها، او عن طريق الثورة، اذا تراكمت مقتضياتها، فان الاصلاح الاجتماعي يمكن ان يتم عن طريق التربية والتعليم، اي المدرسة، والاحزاب الصالحة، ومنظمات المجتمع المدني، ومراكز التوجيه والاشعاع الدينية وغيرها.
انتاج المجتمع لدولته الصالحة عملية طويلة، تستغرق وقتا وتتطلب جهدا، والذين يتطلعون الى انتاج دولة صالحة عليهم ان يتحلوا بالصبر والاستعداد للتضحية والبذل والعطاء.
بعض القراء سوف يتهمون هذا المقال وكاتبه بالتنظير. ويقولون “شبعنا من التنظير”. وقد يكونون محقين بسبب استمرار معاناتهم لفترة طويلة، لكنهم ليسوا على صواب في موقفهم السلبي من “التنظير”، لان العمل يبدأ من فكرة ويستند الى فكرة، وبدون هذه الفكرة لا يوجد معيار ومقياس للعمل الصالح.
اضف تعليق