لماذا في كل مرة نعتقد اننا بحاجة الى حوار؟، وعلى ماذا يتحاور شركاء الوطن؟، وماهي الأساسيات التي يجب ان يقوم عليها الحوار الوطني الذي دعا اليه السيد الكاظمي؟، مع الاقتراب من موعد الانتخابات المرحل الى تشرين القادم، ومع وجود قناعة ويقين باستحالة اجراءها بالموعد المرتقب لأسباب سياسية...
أجواء السلام والمحبة التي خيمت على العراق وخصوصا النخب السياسية ابان زيارة البابا فرنسيس الى البلاد، هي من ولدت لدى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي رغبة بإطلاق مبادرة الحوار الوطني بين جميع القوى السياسية والحركات الاحتجاجية والجلوس على طاولة الحوار المسؤول امام الشعب والتاريخ.
الدعوة الى الحوار وكغيرها من المبادرات الحكومية لاقت امتعاضا شعبيا وردود أفعال متباينة من قبل الطبقات السياسية بين داعمة ومشترطة ومتخوفة من عدم جدواها في الوقت الحالي.
في الأساس لماذا في كل مرة نعتقد اننا بحاجة الى حوار؟، وعلى ماذا يتحاور شركاء الوطن؟، وماهي الأساسيات التي يجب ان يقوم عليها الحوار الوطني الذي دعا اليه السيد الكاظمي؟، مع الاقتراب من موعد الانتخابات المرحل الى تشرين القادم، ومع وجود قناعة ويقين باستحالة اجراءها بالموعد المرتقب لأسباب سياسية عديدة.
يرى بعض المتفائلون ان الدعوة الأخيرة هي بمثابة فتح صفحة جديدة من العقد الاجتماعي وطَي الماضي بكل ما يحمله من عدم التفاهم وتأزم بين الفرقاء السياسيين، وتجنيب المجتمع مزيدا من الخسائر عبر الممارسات غير القانونية من بعض الجهات فضلا عن القمع الحكومي المستمر تجاه من يحلمون بوطن سعيد يضمن حقوقهم وما يتطلعون اليه.
ليس المشكلة في مضمون الدعوة لكن المشكلة عادة ما تكمن في انعدام صدق النوايا وغياب الثقة المتبادلة بين الكتل السياسية، فهي ذاتها المتصدية لإدارة شؤون البلاد، وهي من تتحكم بمصير الشعب الذي أصبح لا حول ولا قوة، فقد تحول الجمهور الشعبي الى متفرج مكتوف الايدي لا يستطيع تغيير شيء من الواقع المرير.
الحوار الوطني الذي يريد الكاظمي تفعيله بين الجبهات السياسية فيما بينها من جهة، والشباب المنتفض من جهة أخرى، يحتاج الى أرضية مناسبة يستطيع خلالها هذا المبدأ بالنمو والترعرع ومن ثم نقطف ثماره على مختلف المستويات، فلا يمكن ان يكون هنالك حوار وحرية التعبير لا تزال حق مغيب، ولا يمكن لذلك ان يتحقق والكثير يخشى من ذكر الجهات التي تقوم باختطاف المدنيين وتغيبهم قسرا، كل هذه عوامل عدم خروج جنين الحوار الى الواقع ويبقى مجرد امنيات يصعب تحقيقها.
اغلب الدول العربية التي شهدت احداث مشابهة لما حصل في العراق ذهبت الى الحوار منها مصر والبحرين واليمن ولبنان وغيرها، لكن ما يميز هذه الحوارات انها تهدف للوصول الى نقطة مشتركة بين الجميع، وتدعيم عملية بناء الثقة المتبادلة بين الأحزاب الشريكة.
والكاظمي بهذه المبادرة ازاد مهمته التي جاء من اجلها، الشعب والكتل السياسية تعلم ان حكومة الكاظمي جاءت من اجل تحقيق ثلاث اهداف، أولها تقديم قتلة المتظاهرين الى العدالة، اما الهدف الثاني هو تحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وثالثا وأخيرا هو اجراء الانتخابات المبكرة.
لم يتحقق من هذه الأغراض شيء يذكر، فلا يزال الموت يلاحق المشتركين بالمظاهرات الأخيرة، بينما حلول الاقتصاد لا تزال ترقيعيه، ولا يمكن ان نعد رفع قيمة الدولار حلا ناجعا، اذ أسهم في زيادة الأسعار وإلحاق الضرر بالمواطنين الذين ليس لديهم دخل ثابت، اما ما يتعلق بأهم مطلب جماهيري وهو الانتخابات فقد حدد موعد اجراءها في حزيران القادم، ومن ثم تم تزحيفه الى تشرين من العام الجاري، كخطوة أولى من عملية التأجيل الى الموعد الأصلي في العام القادم.
ما يقف امام حكومة الكاظمي ودعوتها الأخيرة هو مسألة الجهات المقاومة التي اشترطت على تقبل الحوار هو خروج القوات الأجنبية من العراق، وهذا بحد ذاته من المستحيل ان يتحقق بالمرحلة الحالية والقادمة، ما يعني ان فكرة الحوار ولدت ميتة.
تعودنا بعد عام 2003 كلما اشتدت حدة الصراعات تبرز لنا مبادرة تحمل راية المواطنة وتغليب لغة ا لحوار والعقل، فتارة تنطلق من بعض الأحزاب الشيعية، وتارة أخرى من جهات أخرى محاولة تسوية الخلافات والركوب بمركب واحد يحقق الوصول السليم والآمن للجميع، ولكن لغاية الآن لم نجد جدية في تطبيق الاتفاقات والتفاهمات الواجبة للمضي نحو الامام.
الشارع العراقي وبعد فشل جميع المحاولات أصبح ينظر الى المبادرات الحكومية بعين الريبة وعدم القناعة بما سيحصل او ستتوصل اليها من نتائج، بناء على الخلفيات او ما تم ترسيخه من نظرة سلبية عن الأحزاب الحاكمة وحجم الفشل الذي منيت به خلال حكمها البلد لسنوات ليست قليلة.
تحت قبة البرلمان لا تزال الخلافات قائمة حول اهم النقاط الخلافية وهي قانون الموازنة الاتحادية، فالبعض يريد ان يمرر بهذه الشاكلة والبعض الآخر يحاول ان يؤخر ذلك التمرير الى حين ارجاع سعر صرف الدينار مقابل الدولار الى ما كان عليه قبل أكثر من شهرين تقريبا.
مع هذه المعضلة التي تواجه البرلمان، هناك دعوات الى تمشية قانون المحكمة الاتحادية، كونه لبنة أساسية ومرحلة مهمة تسبق عملية اجراء الانتخابات، فبدونه لا يمكن ان تكون هنالك مصادقة على نتائج الانتخابات في حال أجريت، ولذا بدأنا نستعيد أيام السلة الواحدة، أي تفعيل موضوع التوافقات الحزبية بعيدا عن المصلحة الشعبية.
لو اخذنا الامور من المنطلق العشائري، فعندما يحدث اعتداء على شخصية ما او تقتل، لا يتم التفاوض او الجلوس على طاولة الحوار قبل القيام بتسليم الجناة الى القضاء ومن ثم تبدأ المراحل الأخرى وفق تسلسل منطقي لا يمكن ان تسبق احدى الخطوات غيرها، فلكل مرحلة خطوة معينة لا تقل أهمية عن سابقاتها.
قد يكون رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أخفق بالتقديرات ولم يحسب حساباته بدقة، فكيف له ان يدعوا الأطراف الى الجلوس للحوار وهو لغاية اللحظة لم يسلم مجرم واحد ممن شاركوا بقتل المتظاهرين سواء من القوات الأمنية او من قبل جهات أخرى لم نتمكن من معرفتها.
هذه الدعوة وعلى الرغم من انها متسرعة الى حد ما، لكنها وفي حال توفرت لها الشروط والمقومات الأساسية للنهوض بها، فان من الممكن ان توصلنا الى نهاية المطاف، وتنهي ما نحن فيه من ارتباك أمنى واقتصادي واجتماعي، فالوصول الى بر الأمان مرهون بتصفية الخلافات الكتلوية ووضع المصالح الضيقة جانبا وتقديم مصلحة العراق فوق جميع الاعتبارات.
اضف تعليق