ان ظهورها في المرحلة الحالية هو بالون اختبار ومحاولة لجس نبض الشارع السياسي والعام، فيما إذا كانت بالنية ان تكون عودة للعمل السياسي في ظل عراق مشتت لا يحكمه قانون ثابت ولا توجد رؤية موحدة تجاه الكثير من الملفات الخطيرة، نحن لا نُريد ان نكون ضمن...
شكرا لقناة العربية لأنها فضحت التناقض العجيب الذي سردته ضيفة أحد برامجها حيث ابتعدت عن الواقع الذي كان سائدا بغباء او ربما تغابي، حدث ذلك في حوارا متلفزا مع رغد صدام حسين ابنة الرئيس الأسبق للعراق الذي سقط نظام حكمه على ايد قوات التحالف في نيسان من العام 2003، شكرا أخرى لأنها أوقف العراقيين على اطلال الماضي واعادت الذكريات التي وعلى ما يبدو لا يراد لها ان تغادر الاذهان العراقية.
اللقاء لم يكن كغيره من اللقاءات العابرة، بل توقفت عنده الكثير من النخب العراقية، كما البسطاء، فغدونا نستمع الى تحليلات عريضة وواسعة حول الرسائل التي يراد توجيهها من قبل أصحاب الوسيلة الإعلامية، هذه النظرية روجت لها وزرعتها جهات تكن العداء للمملكة العربية السعودية على خلفية سياستها في العراق.
نستطيع القول ان الشارع العراقي انقسم الى أكثر من جزئيين بعد مشاهدته البرنامج، فالبعض اخذ يهيل التهم ويسعى لإثارة الرعب في نفوس العامة، ويُنبأ بان الحقبة السوداوية بدأت خطوتها الأولى بتجاه العراق بعد ان استقرت الأوضاع ونست الجماهير الفترة المؤلمة التي عاشتها ابان النظام السابق.
اما البعض الآخر قال انه امر طبيعي ولا يستحق المزيد من التأويل والتحليل، فهي مواطنة عراقية ولا تزال تحمل صفة ابنة الرئيس، ويحق لها ان تظهر على وسائل الاعلام متى شاءت وتصرح بما يحلوا لها دون عائق او مانع.
والفريق الثالث هو من كان يرى ان ظهورها في المرحلة الحالية هو بالون اختبار ومحاولة لجس نبض الشارع السياسي والعام، فيما إذا كانت بالنية ان تكون عودة للعمل السياسي في ظل عراق مشتت لا يحكمه قانون ثابت ولا توجد رؤية موحدة تجاه الكثير من الملفات الخطيرة.
نحن لا نُريد ان نكون ضمن الزمر الثلاث ونتحدث بعين المراقب والقارئ لما تفوهت به رغد صدام حسين، واتكلم عن نفسي وقد يوجد الكثير ممن يُشاطرني الرأي ان اللقاء اخذ صدا إعلاميا أكثر مما يستحق بكثير وصوّر له انه جزء من هجمة شرسة موجهة للعراق في الوقت القريب.
هذا التصور خلقته جماهير معروفة الميول والاتجاهات وهي بالأساس تتحكم في عقولها جهات خارجية بأدوات داخلية، فهي تريد ان تغطي فشلها الذريع بإدارة مؤسسات الدولة، لأنها لا تملك ما يبقي مكانتها في نفوس الجمهور العام.
اللقاء حصل في وقت حرج جدا وله دلالات عديدة، فالانتخابات على الأبواب، والقوى السياسية تعد العدة لخوض المنازلة الانتخابية، لكن هذه القوى لا تملك أي رصيد يقربها من مبنى البرلمان مرة أخرى، بل بالعكس ان سمعتها اخذت بالتدهور ولا تلقى أي مقبولية من قبل الشارع العراقي، لذا أصبحت تبحث عن مساند يقوي موقفها الهزيل ويثبت اقدامها.
لذلك عملت على استثمار الخزين من السخط على نظام صدام حسين واعادت تدوير عنصر الكراهية بالاعتماد على التلاعب بالمشاعر الجماهيرية وإثارتها وتذكيرها بالأجرام الصدامي وتحذيرها في نفس الوقت من إمكانية العودة وبقوة، ما دعم هذا التوجه هو قول ابنة الرئيس حين قالت كل شيء وارد وممكن الحصول، لكنها تعلم ان حزب البعث ممنوع بصورة قانونية ولا يحق له العمل على ارض العراق مجددا.
اللقاء كان بمثابة الدعاية الانتخابية المجانية للأحزاب الحاكمة، التي نجحت بإستغفال الافراد طيلة سنوات مضت، لكنها فشلت بإخفاء الحقيقة المتمثلة بعدم قدرتهم على النهوض بالبلد والذهاب بمؤسساته نحو المناطق السليمة والعمل الصحيح المؤدي لبناء البلد وتعزيز مكانته السياسية والاقتصادية بدلا من تراجعها.
أكثر ما شد انتباهي في سلسلة اللقاءات التي عرضت هو كلام رغد، "احنا ناس اسياد بلد ومسؤولين عن وطن"، هذه الجملة اعادت الى الاذهان النظرة الشمولية التي كان يحملها ابوها الرئيس الأسبق، والذي تخلى عن جميع القيم الإنسانية ونبذ التعاليم السماوية التي نصت على احترام الانسان وكرامته وصون حقوقه.
فنجدها بررت جميع الأخطاء والجرائم التي اقترفها بحق أبناء الشعب، عازية تلك التصرفات الوحشية الى ضرورات لتدعيم حكمه وديمومته بما في ذلك مقتل زوجها وشقيقه بدعم بارد.
من الممكن ان نقرأ ما وراء اللقاء وهو عزم المملكة العربية السعودية على تأجيج الموقف العربي، فتظهر على خلفية اللقاء مطالبات بضرورة قيام الأردن تسليم ما تبقى من افراد العائلة الحاكمة لتنال منهم العدالة، وبذلك تكون قد حققت هدف آخر من اهداف البرنامج او السلسلة التي تبثها بصورة منتظمة.
ولا نعرف لغاية الآن ما الذي يدور في مخيلة النفوذ السياسي في الوقت الحاضر، وما سيتخذون من خطوة لدرء الخطر الذي يشعرون انه سيحيط بالعراق وهم يعلمون جيدا استحالة حدوث ذلك في الأمد القريب.
لا أحد ممن تابع اللقاءات ينكر شعور بالرغبة الجامحة لدى رغد بان تعود الى وطنها الأصيل، وتأخذ فيه مكانتها التي عاشتها حين كانت اسرتها تحكم البلاد بطولها وعرضها وخلفت وراءها ما خلفت وما زلنا نعاني من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الرئيس الأسبق بحق العراق والعراقيين.
بعيدا عن مسألة التقييم والنقد الإعلامي لكن لا بئس ان تكون لنا ملاحظة حول مضمون المادة الإعلامية المقدمة عبر شاشة قناة العربية، فان إعداد الأسئلة كان مُحابيا بدرجة كبيرة لابنة الرئيس متغافل القسوة الشديدة التي مورست بحق المواطنين الأبرياء، وكأن الحكم الصدامي اشبه بالحكم القائم على السلم ونبذ العنف ضد الرعية.
جل ما نخشاه ان يكون موعد اجراء اللقاء وما قيل فيه مدروس وتم وضعه من قبل الأطراف اللاعبة في العراق، وهما الجارتين السعودية وإيران، فالأخيرة تريد ان تقوي نفوذ الأحزاب الموالية لها بعد ان اخذت مكانتها بالتزعزع وهيبتها بالتراجع، وبهذه الخطوة تعيد جزء مما فقدته هذه الأحزاب مع اقتراب موعد الانتخاب.
اما الأولى (السعودية)، لا يهمها من الموضوع شيء طالما تحصل مقابل ذلك بعض المكتسبات، كأن يكون فتح نوافذ تفاوض او تفاهمات مع إيران حول العديد من الملفات الساخنة في المنطقة العربية، لا سيما ما يخص انتاج النفط وطرق التجارة العالمية والمشتركات البحرية بينهما.
وبين هذا وذاك فان ما يُثير القلق بالنسبة للأحزاب الحاكمة في الوقت الراهن هو ظهور رغد في الوقت الحساس الذي يشهد سخط جماهيري عليهم نتيجة اخطائهم، كما ان من المحتمل ان يكون هذا الظهور الإعلامي ساهم بتقليل نقمة البعض على الفترة الصدامية لما عانوه من ظلم وعدم اهتمام من قبل السياسيين الجُدد أدت بهم الى العيش تحت خط الفقر بينما هم يعيشون حياة عز ورخاء.
اضف تعليق