q
مرت السنوات وسقط الحكم العسكري في بورما وتولت هذه السيدة رئاسة الحكومة منصب مستشار الدولة المستحدث ثم ظهرت قضية اضطهاد اقلية الروهنغا المسلمة وتلاها صمت هذه السيدة المريب على هذه الجريمة، راجعت بعض المنظمات الدولية مواقفها منها وسحبت بعض الجوائز الممنوحة لها، انقلاب بورما ذكرني...

في يوم ما في بداية متابعتي للسياسة - ربما قبل 28 سنة - كنت اعتبر زعيمة المعارضة في بورما اونغ سان سوشي مثلا اعلى في النضال السلمي ضد الطغيان شأنها شأن نيلسون مانديلا وحتى غاندي.

مرت السنوات وسقط الحكم العسكري في بورما وتولت هذه السيدة رئاسة الحكومة (منصب مستشار الدولة المستحدث) ثم ظهرت قضية اضطهاد اقلية الروهنغا المسلمة وتلاها صمت هذه السيدة المريب على هذه الجريمة.

راجعت بعض المنظمات الدولية مواقفها منها وسحبت بعض الجوائز الممنوحة لها، انقلاب بورما ذكرني بكل ذلك وباهمية قضية يتناساها اغلبنا وهي ان الانسان كائن متغير وليس (شيئا) جامدا ذو بعد واحد وموقف واحد ليسهل فهمه.

يقودنا ذلك الى تغيير شامل لطريقة تفكيرنا بالاحداث والامور والشخصيات، فكثير منا يحكم على الزعماء بكلمات بسيطة مثل عميل او مجرم او وطني او نزيه ...الخ. بينما الحقيقة ان اي انسان - ناهيك عن الشخصيات التأريخية- هو كائن مركب ومتغير وذو ابعاد متعددة وليس (حالة) ثابتة.

الامثلة على ذلك كثيرة.

نوري المالكي بدأ حكمه كشخصية (حل) لمشكلة فشل سابقه الجعفري. وفي خلال سنواته الاولى - وربما ولايته الاولى - كانت حصيلة حكمه ايجابية عموما، لكن ذلك تغير تماما مع ولايته الثانية التي رسخت كل جوانبه السلبية واظهرت كل عيوبه وادت الى سقوط الموصل والفلوجة وتكريت وتهديد بغداد نفسها ونهاية حكمه غير مأسوف عليه.

حكم البعث الثاني في العراق يمكن تقسيمه دون ان ننجر الى خطأ كبير الى مرحلتين:

الاولى حتى عام 1979 وفيها كان البعث قويا في الشارع خصوصا بعد تأميم النفط ومشاركة الجيش العراقي في حرب تشرين لان الحكومة حينها انجزت الكثير وبنت الكثير - بغض النظر عن رأينا فيها.

بعد 1979 كان هناك نكوص عن كل ذلك وافترست حروب صدام الحمقاء كل انجازات ماقبل 1979.

هذا يقودنا ايضا الى اجابة اسئلة كثيرة ترد وفق سياق نظريات المؤامرة السطحي.

فانصار هذه النظرية يقولون ان امريكا صنعت بن لادن وبالتالي صنعت 9/11 وامريكا دعمت العراق في الحرب العراقية الايرانية وبالتالي دعمت غزو الكويت والخ.

الجواب يمكن الوصول اليه وفق ما طرحته اعلاه.

لو افترضنا جدلا ان امريكا دعمت بن لادن - وهذا غير صحيح - خلال حرب افغانستان فانها بالتأكيد لم تدعمه وتتفق معه على ان يقوم بضرب البنتاغون وبرجي التجارة في نيويورك ما ان ينهي مهمته في افغانستان!

لان بن لادن عام 1981 هو غير بن لادن عام 1990 الذي قرر ان انتشار القوات الامريكية في السعودية هو عدوان على المقدسات وبالتالي تبرير لعملياته ضد الولايات المتحدة.

وحتى حكاية دعم صدام في الحرب العراقية الايرانية فهي ليست تفسيرا منطقيا او معقولا لما يردده البعض من ان امريكا دعمت صدام حينها وقالت له: لاتنسى اتفاقنا: ما ان تنتهي من ايران , نريدك ان تدخل الكويت لتهدد امدادات النفط العالمية!

من جديد ان وضع العراق بعد عام 1982 ووضع صدام نفسه هو غير وضعيهما عام 1990.

مثال ثالث: في كل عام وفي يوم 9 نيسان يتجادل العراقيون عن ماهية هذا اليوم: هل هو تحرير ام احتلال؟

الجواب هو الاثنان معا. نعم حررت امريكا العراق من صدام. لكنها اخطئت بعدم تسليم السلطة لحكومة عراقية وبالتالي فقد احتلت العراق وهذا لا يحتاج الى اثبات.

وبالتالي فان الحملة العسكرية الناجحة والسريعة لاسقاط صدام تلاها احتلال فاشل وغبي وغير مدروس للعراق.

مثال رابع: في ايلول من كل عام ينقسم العراقيون بين فريقين: فريق يقول ان صدام بدأ الحرب العراقية الايرانية وهو المعتدي وفريق يقول ان الخميني هو الذي بدأها.

الحقيقة التي لايريد الا القلائل الاعتراف بها ان الامر مركب. صدام بدأ الحرب وهو المعتدي. لكن الخميني هو الذي اصر على استمرارها بعد عام 1982 الذي شهد خروج الجيش العراقي من الاراضي الايرانية (قسرا او من دون قسر) وبالتالي اصبح هو ايضا معتديا بعد عام 1982.

ينطبق ما قلته على كل الشخصيات العامة مثل نوري السعيد وعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف واحمد حسن البكر وصدام والمالكي وحتى مقتدى الصدر. وشخصيات دول الجوار ودول العالم المختلفة ايضا مثل الخميني والخامنئي وغيرهم.

المهم في كل ذلك هو اهمية ادراك ان الانسان كائن متغير ولهذا من الضروري - وقبل التسليم بالاحكام الجاهزة مثل فلان عميل وفلان وطني وفلان نزيه - دراسة كل حدث وكل شخصية بوثائقها وشهودها وفق قاعدة الانسان ذو الابعاد المتعددة وليس الانسان الخطي الي يولد ويموت وهو كما هو لان هذا الكائن لا وجود له.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق