استخدام مصطلح ازدواج السلطة، أو السلطة المزدوجة يعطي بعداً جديداً لتحليل الصراع انطلاقاً من قاعدة أن تقسيم مفاصل الدولة بين الكيانات السياسية هو أساس المشكلة التي نجمت عن المحاصصة الطائفية والقومية، ولا يمكن القول بان جهة سياسية ما تمثل الدولة وأخرى تمثل اللادولة لأنه تحريف لأساس تحليل المشكلة...
تتقاذف السنة المحللين وكتاباتهم مصطلح اللادولة باعتباره مرادفاً للخروج عن السلطة العامة وتنفيذ أجندات تتعارض مع السياسة الحكومية المنتخبة، نأخذ مسحة للمصطلح فنجده غير سليم وبحاجة إلى الرقود في المختبر من أجل إعادة ترتيبه بما يتناسب مع الموصوف.
مصطلح اللادولة وحصره بجهات معروفة نجده متطرفاً وفيه نوع من الحركة التكفيرية السياسية، فنقيضه الدولة، أي أن الكيان الموصوف بالدولة يكون هو صاحب الشرعية لحكم الشعب، وهذا خلافٌ لما اثبتته مسحة المصطلح النقيض أيضاً، بمعنى أن مصطلح الدولة غير سليم واللادولة غير سليم.
ما هو الموجود إذن؟
ما موجود هو الدولة المزدوجة، أو ازدواج السلطات، كنا نسميه قبل سنوات "قَدَمٌ في الحكومة وقَدَمٌ في المعارضة" وهي طريقة اتبعتها الكيانات السياسية العراقية للمشاركة في الحكومة من أجل الحصول على امتيازات معينة وامتيازات مالية ونفوذ سياسي فاعل، ومن جهة أخرى تستفيد من القَدَم المعارَضة من أجل التنصل عن مشاركتها وترك الحكومة تواجه مصيرها في حال واجهت ضغوطات أو أزمات تقلل ثقة الشعب بها.
بعض الكيانات ذات السلطة المزدوجة باتت معروفة أكثر من غيرها في اللعب على الجانبين، فهي تشكل الحكومة حسب أهدافها، تستفيد من الوزارات وتأخذ حصة بالدرجات الخاصة تسيطر على المنافذ السياسية الرئيسية، وبعد شهور تعلن أنها لم تشترك بالحكومة، تنظم تظاهرات احتجاجية، وتقتحم بعض المؤسسات الحكومية التي تكون خارج سيطرة أفرادها، تعقد مفاوضات فتحصل على تنازلات من خصومها.
فإذا كانت تملك أربع وزارات صارت تملك خمساً، وإذا كانت تستحوذ على ١٠٠ درجة خاصة، صارت تمتلك ١٢٠ وقد تطمح إلى ما هو أكبر من الاستحواذ على الوزارات وبأساليب مختلفة، وبعد كل هذا تشن الكيانات السياسية التي تتبع هذه الطريقة في ازدواج السلطة تشن هجمات منظمة ضد خصومها الذين يشبهونها بالأسلوب ذاته.
إنها عملية تزاحم على امتلاك أكبر قدر من السلطات في الدولة العراقية بغية السيطرة عليها كلياً في المستقبل، أو الاحتفاظ بالمكتسبات الحالية وعدم التراجع إلى الوراء لأن من لا يملك السلطة يتعرض لأنواع الاتهامات والابتزاز الذي يؤدي به إلى السجن.
حالة ازدواج السلطة لم تكن وليدة الساحة العراقية فقد تحدث عنها كارل ماركس فيلسوف الشيوعيين، إذ شرح بوضوح الطريقة التي يمكنهم فيها أن يحققوا حالة ازدواج السلطة، وإن لم يكن استعملها بهذا الاسم حرفياً قال: على الشيوعيين أن يقيموا إلى جانب الحكومات الرسمية الجديدة المنبثقة من الثورات حكوماتهم العمالية، سواء كانت على شكل لجان بلدية أو جمعيات عمالية.
ها هي اليوم محاكم وجيوش وجمعيات ونقابات ووزارات صارت اقطاعيات على الطريقة الماركسية الشيوعية وبشكل أكثر تطوراً، بدلاً من تأسيس النقابات والجمعيات الجديدة هناك استحواذ على مديريات عامة وجامعات ووزارات في الدولة العراقية.
ولا يمكن أن نصف هذه الطريقة بالحكم باللادولة، بل بازدواج السلطات لأنهم يسيطرون على جزء من الدولة الرسمية، والجميع مشترك في العملية وبالصراع على المغانم، وما استخدام مصطلح اللادولة إلا محاولة لترجيح كفة طرف مزدوج السلطة على كفة طرف مزدوج السلطة هو الآخر، وقد يختلف عن خصومه في الأدوات فقط.
بعض مزدوجي السلطة يملكون المال الكثير ويسيطرون على وسائل الإعلام والنقابات المهنية فيعتمدون تحريك الشارع، والبعض الآخر يملك السلاح مع رصيد من الحرب ضد أعداء الشعب العراقي فيفرض سيطرته على جزء من الدولة ليكون مزدوج السلطة.
استخدام مصطلح ازدواج السلطة، أو السلطة المزدوجة يعطي بعداً جديداً لتحليل الصراع انطلاقاً من قاعدة أن تقسيم مفاصل الدولة بين الكيانات السياسية هو أساس المشكلة التي نجمت عن المحاصصة الطائفية والقومية، ولا يمكن القول بان جهة سياسية ما تمثل الدولة وأخرى تمثل اللادولة لأنه تحريف لأساس تحليل المشكلة ومن ثم سنخرج بنتائج غير مشجعة تؤدي بالنهاية الى صعود طبقة من الانتهازيين على ظهر الدولة وهم لا يمثلونها.
اضف تعليق