ان القيم العليا تمثل مؤشرات السلوك للافراد، فاذا كانت ايجابية، فانها سوف تنتج مواطنين فعالين صالحين منتجين، واذا كانت سلبية فانها سوف تنتج مواطنين سلبيين، لا يؤدون وظائفهم التي تحددها المواطنة الصالحة لهم، في اي موقع كانوا فيه في الدولة او المجتمع...
تعليقا على حديثي المسجل حول عوامل فشل الدولة العراقية، تساءل الصديق فالح الجزائري عن علاقة منظومة القيم بالدولة قائلا:"ماذا تقصد منظومة القيم؟ وماعلاقة منظومة القيم بالدولة والقيم عند الاديان والقوميات مختلفة ومتنوعة؟"
وهذا التساؤل وارد جدا، خاصة وان كتب القانون الدستوري والعلوم السياسية لا تذكر منظومة القيم، او النظام القيمي، ضمن العناصر المكونة للدولة، وهي: الاقليم والشعب والحكومة. ولكني في الواقع لم اتقيد بهذه المكونات، وانما قدمت رؤية اخرى تحليلية وتفكيكية لمكونات الدولة واعتبرت انها تتألف من العناصر الاربعة التالية:
العنصر الاول: الناس الذين ينقسمون الى فئتين هما: فئة الحاكمين وفئة المحكومين.
العنصر الثاني: الارض وهي اساس فكرة الوطنية، وقاعدة الانتاج الوطني.
العنصر الثالث: العلاقة المعنوية، المتألفة من جانبين هما: علاقة الانسان باخيه الانسان، (بما في ذلك العلاقة المتبادلة بين الحاكمين والمحكومين)، وعلاقة الانسان بالطبيعة.
العنصر الرابع: منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري ومفرداته الخمسة، وهي: الانسان، الارض، الزمن، العلم، العمل.
ومن هنا جاء تساؤل الاخ فالح الجزائري عن علاقة منظومة القيم بالدولة. وفي الجواب اقول:
اولا، لا توجد دولة بدون منظومة قيم عليا، سواء اعتبرنا المنظومة المتبناة من قبل هذه الدولة سلبية، كالدكتاتورية، كما هو الحال في كوريا الشمالية، او ايجابية، كالديمقراطية، كما هو الحال في بريطانيا؛ او اعتبرناها دينية كما هو الحال في ايران، او علمانية كما هو الحال في فرنسا؛ او رأسمالية كما هو الحال في الولايات المتحدة، او اشتراكية/ شيوعية كما هو الحال في الاتحاد السوفييتي السابق. وتتجلى منظومة القيم في الوثائق المكتوبة للدولة كالدستور والقوانين، او في الاعراف الدستورية والسياسية غير المكتوبة، كما نجدها في التقاليد المجتمعية الموروثة. ان منظومة القيم العليا هي التي تعطي الدولة هويتها وطابعها العام الذي تعرف به في المجتمع الدولي. وهي المعيار في مرحلة تالية من البحث والتحليل في تقسيم الدول الى دول حضارية حديثة، ودول غير حضارية متخلفة، وما بينهما من درجات في السلم الحضاري.
ثانيا، ولما كان الناس (=الشعب، المجتمع، المواطنون) هم العنصر الاول في تكوين الدولة، فان موقع منظومة القيم العليا سوف يظهر في شبكة العلاقات المعنوية (العنصر الثالث)، اي في علاقة الناس فيما بينهم، سواء كانت علاقات ايجابية كالتعاون والايثار والتعايش والعدل والمساوة والوحدة، او سلبية كالصراع والظلم والتمزق والتمييز العنصري او الديني او الطائفي الخ. ان منظومة القيم العليا هي التي تحدد وجهة سير الحراك التاريخي للمجتمع سواء نحو المزيد من التحضر والتقدم، او التراجع او التأخر، او بتعبير القران الكريم: "لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ"، او قوله: "لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ"، او قوله:"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ".
ثالثا، ولما كان #المركب_الحضاري هو العمود الفقري للدولة، فان منظومة القيم هي اطار تفاعل مكونات هذا المركب فيما بينها. فاذا كانت القيم العليا ايجابية، كان تفاعل عناصر المركب الحضاري فيما بينها ايجابيا، منتجا، مثمرا. والعكس بالعكس، فاذا كانت القيم العليا سلبية كانت تفاعل عناصر المركب الحضاري سلبيا، مدمرا، غير منتج. وهذا يعني ان القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري تلعب الدور الاساسي في نوعية اداء وفاعلية الدولة.
واخيرا، رابعا، فان القيم العليا تمثل مؤشرات السلوك للافراد. فاذا كانت ايجابية، فانها سوف تنتج مواطنين فعالين صالحين منتجين، واذا كانت سلبية فانها سوف تنتج مواطنين سلبيين، لا يؤدون وظائفهم التي تحددها المواطنة الصالحة لهم، في اي موقع كانوا فيه في الدولة او المجتمع.
اضف تعليق