انتهت قمة مجموعة العشرين الافتراضية، التي انعقدت برئاسة المملكة العربية السعودية، في ظل جائحة مدوية إسمها وباء كورونا، والقمة لم تكن افتراضية فقط، بل بيانها الختامي كان كذلك أيضاً، وقد يقول البعض إنه منتج طبيعي لزعماء يعيشون أيضاً في عالم افتراضي بعيداً عن العالم الواقعي...

انتهت قمة مجموعة العشرين الافتراضية، التي انعقدت السبت والأحد الماضيين برئاسة المملكة العربية السعودية، في ظل جائحة مدوية إسمها وباء كورونا، والقمة لم تكن افتراضية فقط، بل بيانها الختامي كان كذلك أيضاً، وقد يقول البعض إنه ـ أي البيان ـ منتج طبيعي لزعماء يعيشون أيضاً في عالم افتراضي بعيداً عن العالم الواقعي الذي يعيش فيه بقية البشر، لكنه في الحقيقة لم يكن إلا استعارة أمينة من مفردات "اللاهوت السياسي" والعملي الذي يؤمنون، ويعملون، به، وإلا فما معنى أن يطالب العشرون الأقوى اقتصادياً بإخراج العالم من أزماته، فيما هم المسببون الرئيسيون لها، بدءاً من قضية المناخ وصولاً إلى الفقر المستدام...

فكورونا اختبر الجميع في التعاون الدولي لمواجهته فإن فشلوا في إسعافاته الأولية... فكيف يتعهدون بالبيان الختامي بالمعالجة الفزيائية لاقتصاد وصحة العالم ما بعد الأزمة...التنافس على صفقات اللقاح سيكون سيد المشهد العالمي القادم أما قمة العشرين وتفاصيلها فقد فشلت حتى في تحقيق أهداف بعض الدول والرؤساء من عقدها... أكثر من ذلك، بعض كبار العشرين، بل أغلبيتهم الساحقة، لن يستمر رخاؤه إلا باستمرار المآسي، وازدياد توحش عملية نهب الأطراف، واتساع رقعة الحروب في العالم، فكيف سيجدون لمشاكل العالم حلولاً؟!

قد تكون مجموعة العشرين الوعاء الدولي الاقتصادي السياسي الأكبر، وكما هو معروف عن مجموعة دول العشرين أنها منتدى التعاون الاقتصادي العالمي الأهم أُسِّس في العام 1999 بسبب الأزمات المالية في التسعينيات بهدف تقديم حلول مستدامة، والتصدي للأزمات المالية والاقتصادية العالمية، وتتولى هذه المجموعة تنظيم المؤسسات المالية والإشراف عليها كالمصارف وشركات التأمين، وتولي اهتمامًا بالغًا بالأمن الغذائي العالمي والتحدي السكاني، وتركز على التنمية الزراعية، وتسيطر مجموعة العشرين على 80 في المائة من التجارة العالمية، و90 في المائة من الناتج العالمي الخام، وتضم ثلثي سكان الأرض.

وربما كانت الإضافة الوحيدة الأعلى ظهورا بعد 2008 هي التنسيق الأكبر بين البنوك المركزية ما عجل بسرعة تعافي الاقتصاد، وهو التنسيق الذي لم يعد قائما قبل كورونا وخلالها بل وتهاوى هو وغيره من أشكال التعاون الدولي، مع رفع الرئيس ترامب راية أمريكا أولا، وما تبع ذلك من ميول حمائية وعزلوية حادة، في العديد من دول العالم. ورغم هذه الأهمية، إلا أنّ الكثيرون في العالم، لا ينتظرون من قمة مجموعة العشرين فعل ما يستحق انتظاره... لماذا؟

صار لدى الأغلبية الغالبة من العالم قناعة راسخة بأنه لا يمكن انتظار أي أثر لفعل إيجابي يصدر عن مجموعة أو منظمة دولية، في ظل هيمنة أميركا وأوروبا عليها وعلى النظام العالمي بما تُمثلانه من نظام رأسمالي سمته الأساسية التوحش، وكذلك في ظل العبث الذي تقوم به الولايات المتحدة وأوروبا كتابع لها في مختلف الأقاليم والمناطق بالعالم بدءاً من الشرق الأوسط، مروراً بشمال أفريقيا، وانتهاء بشرق آسيا ومناطق أخرى تقترب منها الأصابع الأميركية.‏

في الجوهر لا تريد القوى الكبرى المهيمنة، وعلى رأسها واشنطن، حلاً دائماً للصراعات الدائرة في العالم، بل هي تعمل، في أحسن حال، على تبريد لهيب صراعات محدّدة والتجهّز لتأجيج أخرى، لأن عالماً دون صراع فضلاً عن أنه أمر مناف لجوهر سنن "العمران والاجتماع"، فإنه عالم دون نهب أيضاً، وهذا أمر مخالف لأس قيام الدول المسيطرة واستمرارها، فإن توانت عنه، واتبعت سبل مبادئ الأمم المتحدة والأخلاق الدولية، فإنها تعرف بالتجربة الصادقة أن بقية القوى ستصفق لها، لكنها ستتدافع، بالمناكب وغيرها، لاحتلال الكرسي الشاغر على قمة العالم.

بهذا المعنى، وكي لا يعمينا الدخان المتصاعد من هذه البؤرة المشتعلة أو تلك، فإن الصراع الفعلي اليوم يجري على بنية النظام الدولي القائم، والقادم، بين دولة "فائقة القوة" تريد الحفاظ على ما تراه حقها الكامل والثابت بموارد العالم كله للحفاظ على زعامتها المتفرّدة، وبين قوى كبرى صاعدة تريد لها مكاناً "تحت الشمس"، وبالطبع فإن القانون الدولي، والشرعية الدولية، وحقوق الإنسان ومنظماته الدولية والإقليمية بأغلبها، ووسائل الإعلام "الحر والموضوعي"، ليست إلا أدوات في هذا الصراع المستمر، مثلها مثل الصاروخ الباليستي والقنبلة الذرية.

لقد سيطرت جهود التصدي لوباء كوفيد - 19 على قمة مجموعة العشرين الافتراضية، من حيث إنها لم تقصر اهتمامها على مسائل ضبط الماليات العامة وأسعار الصرف وعوائق التجارة، بل ناقشت أساسا قضايا ذات طابع اجتماعي معمق وعلى نحو غير مسبوق، بغض النظر عن أن النتائج لاحقا على الأرض قد تكون أقل من مستوى الوعود.

وثمة دول كروسيا والصين حضرت بقوة قمة العشرين الافتراضية وخرجت عن التعميم في الصورة القاتمة الملتقطة لقمة تجاوز كورونا بعد أن تجاوز الفيروس كل حدود القدرات الصناعية والاقتصادية للدول المشاركة... فبكين كانت أول من بادر بالحلول الإسعافية للعالم، في حين بشرت موسكو باللقاح للفايروس... لكن... ماذا عن واشنطن التي أطل ترامب من نافذتها في القمة الافتراضية يؤيد تخصيص ملايين الدولارات لتوزيع اللقاح ضد كورونا وتجاوز المحنة وفي ذمته ملايين الضحايا من الأميركيين وباقي العالم بعد أن رفض الإغلاق الإسعافي فوق صناديق اقتراعه وخسر مرتين... خسر ماء الوجه... وانتخاباته.

وبدلا من أن تصبح رائدة في محاربة كوفيد - 19 بقوتها التكنولوجية والمالية الهائلة، أصبحت الولايات المتحدة الأكثر تضرراً منه وجرّت العالم بأسره وراءها، حيث سمحت إدارة ترامب للسياسة الداخلية بتعكير صفو الاستجابة العالمية لـ كوفيد ـ 19 وهي تقف علانية على الجانب الآخر من منظمة الصحة العالمية. هذا الأمر لا يُغتفر، وسوف يذكر التاريخ ما فعلته الإدارة الأمريكية الحالية من إساءة للبشرية جمعاء، فالأميركيون عملياً لم يصوتوا لـ جو بايدن بقدر ما صوتوا لرحيل ترامب... فاز الديمقراطيون من كراهية الأميركيين للتاجر الأمريكي الذي حفر قبور مئات الآلاف منهم بالاستهتار بفايروس كورونا في طريقه المسدود إلى البيت الأبيض ثم يطل من العشرين ليبحث في ما بعد الموت!

إن عدداً من الدول الغربية وبخاصة ذات السمعة الاستعمارية حتى اليوم ورغم المخاطر التي تتهددها لا تريد أن تفقد امتيازاتها على الساحة الدولية، وتحاول تجاوز الحالة الصحية بشكل انفرادي دون أن تفكر بعواقب انهيار النظام الصحي لدول مجاورة أو على مساحة العالم.

من أبرز جوانب الخطأ في معالجة الأزمة الصحية العالمية هو القرارات الانفرادية وعدم مد الدول الكبرى يد العون إلى الدول الفقيرة، إضافة إلى إصرار الولايات المتحدة على استخدام النظام المالي والاقتصادي الدولي لتحقيق أغراض سياسية عبر فرض العقوبات الأحادية الجانب والتي تعرقل استيراد الأجهزة الصحية وتوفير القنوات المالية لذلك.

إن غياب التنسيق الدولي في ظل الواقع الوبائي الراهن لا يمكن تقدير أخطاره، وعلى الدول الفاعلة الأخرى أن تبادر لتعويض التقاعس الغربي الذي لا يمكن اعتباره غير متعمد في ظل عدم مبادرة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على إلغاء حزم العقوبات الأحادية الجانب المفروضة على العديد من الدول والتي تفشى الفيروس في بعضها.

خلاصة الكلام: قمة العشرين، كغيرها من المنتديات الدولية، لن تكون بداية معالجة لأية أزمة سياسية أو حتى اقتصادية بين الدول...، ويبدو أنها ـ كحال الأمم المتحدة ـ منتدى يفرض فيه القوي إملاءاته على من هم أضعف منه، ومن الوارد أن يأتي زمن على هذه القمة أن تكون استضافتها عبئًا ماليًّا وسياسيًّا على أعضائها ـ كما هو حال قمم جامعة الدول العربية ـ إذا ما استمرت الأنانية وتحكمت نزوات السيطرة على العالم والتحكم في مقدراته وثرواته.

* كاتب صحفي من المغرب

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق