q
بايدن لن يحل مشكلات العالم التي صنعها سلفه ترامب فهي كثيرة وكبيرة ومعقدة، والعالم يعرف هذه الحقيقة، لكن اغلب الدول ستأخذ نفساً عميقاً واستراحة بعد توقف سياسة الضجيج الترامبية، ومن المؤمل ان يسود التعاون بدل نظام العقوبات، وان تعود الدبلوماسية بدل سياسة البيع والشراء...

يستعد الرئيس الاميركي دونالد ترامب لحزم حقائبه بعيداً عن البيت الابيض، بعد أربع سنوات عاشها ترامب وحاشيته حيث جعلوا العالم أكثر ضجيجاً، حروب كلامية واخرى اقتصادية، تلاعب بمشاعر الناس، وقرارات مدمرة للجميع كلها جعلت العالم اقل اماناً وأكثر توتراً، وحينما حذر كثير من الباحثين والمسؤولين من خطورة تاجر العقارات، فقد صدقت تحذيراتهم.

الازمة التي كشفها ترامب ليست بالرجل نفسه، بل بالأسباب التي جاءت به، والقرارات التي اتخذها وغرزت انياب الازمة في عمق المجتمع الاميركي خصوصاً والسياسات العالمية عموماً، لم تعد دول العالم تثق بالدولة الاقوى والمنظمات الدولة باتت ميداناً للصراع أكثر من كونها ميداناً للحوار والسلام، وحتى المنظمات ذات الصبغة الانسانية الخالصة لوثتها الترامبية وحطمت جدرانها مثل منظمة الصحة العالمية التي كانت آخر المنظمات التي انسحب منها دونالد ترامب.

ربما تعد فترة حكم ترامب من اسوأ لحظات التاريخ الاميركي والعالمي من حيث التصور العام، ففي عهده تمزقت صورة بلاده الجميلة، وضاعت الجهود الدبلوماسية السابقة التي بنيت على مدار عقود، ولم تعد افلام هوليود قادرة على رسم صورة ايجابية للوحش الكاسر الذي أشبع العالم عقوبات، اذ بدأ ترامب حياته كرئيس بقرار عنصري ضد مواطني سبع دول اسلامية منعهم من دخول بلاده.

بعدها بدأ الرئيس يوزع بطاقات العقوبات لجميع دول العالم التي تملك نفوذا يزاحم النفوذ الأمريكي، سواء كان ذلك على مستوى الاقتصاد او في مجال السياسة والقطاعات العسكرية، وحتى الإعلامية التي يكرهها، فأمريكا في عهد ترامب هي قطار سريع ولا يمكن للمعاهدات الدولية او القوانين ان تمنعه من تحقيق تقدمه نحو الامام، بحسب رغبة رئيس البيت الأبيض، فأي إدارة هذه التي تشكلت في بدايتها من جون بولتون عراب الحروب وجيمس ماتيس ومايك بومبيو أكثر المسؤولين تطرفا ورغبة في شن الحروب، حتى ان العالم شعر في وقتها وكأنه يتعامل مع عصابات المغول التي احتلت جميع الدول القريبة منها.

الصين اخذت حصتها عبر نظام ضرائب قاسٍ ضد بضائعها الرخيصة، لأنها سلع صينية فقط! واوربا دفعت المال لحلف الناتو، لان الولايات المتحدة ركبت هذا الحلف مثل الحمار وعلى اوروبا ان تقوم بدور الخادم الذي يطعمه.

الاتفاق النووي الذي ابرمته الدول الكبرى مع إيران بعد جولات من المفاوضات المضنية مزقه ترامب في لحظة غضب وفوضى، لا عدو ولا صديق في هذه اللعبة، فالكل أعداء، ترامب يقول في احدى مقابلاته التلفزيونية عام 2017 "أعتقد أن لدينا كثيرا من الأعداء. أعتقد أن الاتحاد الأوروبي عدو بسبب ما يفعلوه بنا في التجارة. كنا لا نفكر سابقا في الاتحاد الأوروبي … لكنه عدو". "روسيا هي عدو في بعض الجوانب. الصين عدو اقتصادي، بالطبع هي عدو. هذا هو منطق زعيم أكبر دولة بالعالم".

فيروس كورونا هو الوحيد الذي خرج سالماً من عقوبات ترامب، فلم يستطع وضع استراتيجية عملية للتعامل معه، فانهارت سمعة ترامب، اذ من المعروف ان شعبية الرئيس تزداد خلال الازمات الا مع ترامب فلم تتجاوز 50% ما جعلها أسوأ إحصائية للرؤساء الأمريكان خلال الازمات، ومن المفارقة ان يكون الفيروس هو نفسه الذي قتل حلم ترامب بالحصول على الولاية الرئاسية الثانية لأنه كشف بشكل واضح حجم استهتار الرئيس بالمخاطر التي تتعرض لها بلاده.

الان وقد هزم ترامب على يد فيروس كورونا وبأصوات الناخبين الاميركيين الطامحين للخلاص من الوباء، تبدو مهمة الرئيس الجديد جو بايدن غير مشجعة لدول العالم، فسياسته ستركز على الداخل الذي يتعرض لمخاطر كبيرة، وبايدن الذي خبر السياسة الخارجية أكثر من اي رئيس اخر يعرف ان السياسة الخارجية لا يمكن لها ان تسير بقوة بدون الداخل القوي.

المهمة الاولى لبايدن ستركز على حل ازمة كورونا ومحاولة انهاء الملف من اجل تحريك الاقتصاد قبل حصول انهيار كبير، والمهمة الموازية لها هي تقليص الفجوة بين المكونات والاعراق الاميركية التي تصدعت علاقتها قبل مجيئ ترامب وتعززت تحت رئاسته.

بايدن لن يحل مشكلات العالم التي صنعها سلفه ترامب فهي كثيرة وكبيرة ومعقدة، والعالم يعرف هذه الحقيقة، لكن اغلب الدول ستأخذ نفساً عميقاً واستراحة بعد توقف سياسة الضجيج الترامبية، ومن المؤمل ان يسود التعاون بدل نظام العقوبات، وان تعود الدبلوماسية بدل سياسة البيع والشراء.

اضف تعليق