وتبقى التساؤلات الأكثر الحاحا في المرحلة الراهنة، هل ستعطي سياسة بايدن الجدية الضوء الأخضر لحكومة طهران الفرصة لتعيد المواجهة مع الأنظمة العربية؟ وهل سيحافظ الرئيس الجديد على ما بناه ترامب من علاقات قائمة على المنفعة المتبادلة مع بعض الأنظمة؟ وهل ستُهدم قصور الأمل التي بناها حكام العرب طيلة الأربع سنوات الماضية؟...
وضعت الحرب أوزارها، واُعلن جو بايدن رسميا رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، متغلبا على منافسه بفارق مريح في الأصوات، بينما لا يزال ترامب غير معترف بهذا الفوز، مشككا بنتائج الانتخابات قبل ايام من اجراء عملية التصويت.
وبعد ان خمدت أعمدة الدخان، وأسفرت عن تقدم بايدن، قدم اغلب قادة الدول العربية التهنئة للرئيس الجديد على فوزه، متمنين له النجاح بمهامه الجديدة، فالتهاني تأتي ضمن البروتوكولات الدولية الواجب تقديمها في حال فوز شخصية ما بمنصب الرئيس، فكيف يكون الموقف والفائز هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية التي تتمتع بسلطة كبيرة جدا بمنطقة الشرق الأوسط، اذا ما اردنا مقارنتها بغيرها من دول الاتحاد الأوربي.
تواجه الحكومات العربية مصيرا مجهولا وحرجا شديدا فى التعامل مع نتيجة الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة الأمريكية التى جعلت الرئيس السابق دونالد ترامب يعد العدة لمغادرة البيت الأبيض، ليفسح المجال لمنافسه بايدين الذي شغل منصب نائب الرئيس باراك اوباما لمدة ثمان سنوات، ويكن العداء بدرجة كبيرة لترامب وسياسته.
الحرج الذي وقع فيه معظم القادة العرب هو من صنيعتهم، وليس لهم إلا أن يلوموا أنفسهم عليه، فاللوم يجب ان يكون نتيجة اندفاعهم غير الممنهج تجاه الرئيس ترامب، وتفاءلوا بمقدمه إلى البيت الأبيض، وتهديده بالوقوف بوجه التمدد الإيراني في المنطقة العربية والذي يعده البعض الأزمة الحقيقة.
يمكن الاعتراف أن جذور هذه الأزمة تعود الى جملة من المواقف الخاطئة والقراءات غير الواقعية لاوضاع الشرق الأوسط، وموقف إدارة ترامب منها، فبعض الحكومات العربية كالسعودية والإمارات والبحرين ذهب إلى أن التحدى الأساسى الذى يواجهها هو امتداد النفوذ الإيرانى فى المنطقة، والذى من شأنه أن يتصاعد عندما تمتلك إيران سلاحا نوويا.
وعملت لمواجهة هذا الخطر واعتقدت ان افضل الطرق لوقف امتداد النفوذ الإيرانى هو بالتحالف الوثيق مع أشد أعداء إيران فى الشرق الأوسط وعلى الصعيد العالمى، الولايات المتحدة، التي تعتبر جبهة واحدة مع دولة إسرائيل، فاخذت تدفع بهذا الاتجاه واجبرت العرب على القبول بما يخدم الدولتين، وكانت نهاية هذا الدفع كما هو معروف بقبول التطبيع الكامل معها من قبل كل من الإمارات والبحرين، وبالمساندة الرمزية من المملكة العربية السعودية.
وقطع دونالد ترامب على نفسه عهدا فى حملته الانتخابية أنه سيبذل جل جهده لعدم الاستمرار بالمعاهدة النووية مع إيران وأنه سيخرج الولايات المتحدة منها عندما يصل إلى البيت الأبيض، فقد ساندته كل دول الخليج تقريبا، وكافأته عندما وصل إلى منصب الرئاسة الأمريكية بإغداق مئات مليارات الدولارات على الولايات المتحدة.
كما واستجابت لكل ما طلبه منها وخصوصا قبيل الانتخابات الأخيرة بأن تسرع من خطوات التطبيع مع إسرائيل، وأن تمارس نفوذها لاجتذاب دول عربية أخرى لتسير على نفس الطريق، وهو ما فعلته دولة الإمارات تحديدا بجهودها لإغراء الحكومة السودانية بقبول إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
التخندق العربي والخوف الزائد من التوسع الإيراني، جعل الدول العربية لا تفكر بأي طريقة لوقف ذلك سوى توثيق الترابط بينها وحكومة البيت الأبيض دون حساب لرد فعل إيرانى تجاه هذا العداء عبر تكثيف محاولات هز الاستقرار فى هذه الدول وضرب مصالحها الأساسية.
ونجحت الى حد ما في خلق هذا الإرباك في المنطقة العربية عبر نفوذها فى كل من اليمن ولبنان وسوريا، مما ضاعف من حالة التوتر فى منطقة الخليج بصورة خاصة، وكل الشرق الأوسط بصورة عامة، اذ جاءت النتائج سلبية على غير المتوقع من قبل المحور الغربي.
ما اثار القلق في نفوس الحكام العرب هو عزم بايدن الرئيس الديمقراطي على فتح باب التفاوض مجددا حول الملف النووي الإيراني، ما يعني ان ايران ستتنفس الصعداء، وتفك الخناق الذي فرضه عليها ترامب في أيامه، وخصوصا الاخيرة.
هذا التنفس الإيراني جعل الأنفاس تحتبس بصدور حكام المنطقة العربية، وعادت مخاوفهم مجددا؛ ذلك لما قد يحدثه التعامل اللين من قبل بايدن تجاه النظام الإيراني الذي لم يتوقف عن خطته التوسعية لبسط نفوذه في المنطقة.
وتبقى التساؤلات الأكثر الحاحا في المرحلة الراهنة، هل ستعطي سياسة بايدن الجدية الضوء الأخضر لحكومة طهران الفرصة لتعيد المواجهة مع الأنظمة العربية؟ وهل سيحافظ الرئيس الجديد على ما بناه ترامب من علاقات قائمة على المنفعة المتبادلة مع بعض الأنظمة؟ وهل ستُهدم قصور الأمل التي بناها حكام العرب طيلة الأربع سنوات الماضية؟
اضف تعليق