كيف يتحرك المثقف ويحرك غيره وهو يعيش كل هذه الصراعات؟ يصعب علينا وضع مسار محدد، لكن الواضح ان المفكرين والمثقفين في العصور الماضية كانوا قد تعرضوا لازمات وصراعات اشد وطأة من الصراعات التي يعاني منها المثقف العراقي، واستطاعوا عبر اساليبهم المبتكرة تحويل مسار الاحداث نحو الاصلاح والتغيير بدل الوقوف متفرجين ينتظرون الحلول...
يتحمل المثقف العراقي ثقلا مضافا الى اثقال حياته المتأرجحة بين الانعزالية والتفاعل المجتمعي، فتجده ناقداً حاداً بينما تجده معرضاً لذات النقد باعتباره شخصاً يصف الازمات ويحللها بينما يخفق في تقديم البدائل.
صورة المثقف مشوهة في المجتمع العراقي، وهو لا يرقى الى حجم التحديات، يعيش التناقضات في حياته، انه انعزالي بنفس مستوى تفاعليته، وهو في جانب اخر هابط ويلتمس اعمال نجوم مواقع التواصل الاجتماعي عبر ملابسه واسلوب حياته، يعتبر الشكل اقوى من المضمون، والمثقف درع السلطة وحامي عرينها وخط الصد الخفي للدفاع عن القرارات الحكومية.
هذه اجزاء من الصورة الحالية للمثقف العراقي، مغضوب عليه غير مستقر على حال، ذاته مشوهة امام مجتمعه، يعيش صراعات عدة والتي نصنفها وفق الاتي:
الصراع مع المجتمع: صورة المثقف لدى المجتمع هي خليط من الزندقة والمثالية، فهو داعية للتحلل عن الدين ومروج للإلحاد، فهل يستطيع المثقف هنا ان يروج لرسالته؟ في هذه الحالة يبحث عن الاعتراف اولا قبل ان يكون انموذجا وموجهاً لمجتمعه ومصلحاً للمشكلات.
الصراع مع السلطة: تتعامل السلطة الحاكمة مع المثقف بطريقتين اما ان تضمه معها وتحوله الى مصد من مصداتها لقمع الحركة الاجتماعية والاصلاحات المطلوبة، او تتعامل معه بطريقة الاستبعاد والقمع والحرمان من المشاركة في الفعاليات الاجتماعية، وان شارك رغماً عنها يتهم بأساليب مختلفة بين التبعية لأيدلوجيات مناقضة لبلده، او حتى العمالة لدول اخرى.
الصراع من اجل لقمة العيش: بعض المثقفين المستبعدين اجتماعياً لاتهامهم بنشر الافكار المنحرفة، مع طردهم من قبل السلطة، يتحولون الى صعاليك يتجولون بين المنتديات والمجالس الادبية، وفي اقوى الحالات يحصلون على فرصة عمل بسيطة تضمن لهم قوت يومهم، وبمرور الوقت يفقدون الثقة من قبل المحيطين بهم في ظل مجتمع يقدس المال.
الصراع مع نجوم التواصل الاجتماعي: من المثير ان نجد بعض المثقفين يتحدثون في جلساتهم الخاصة والعامة عن اعداد المتابعين والمعجبين، ويتساءلون عن الطريقة المناسبة لكسب جمهور اكبر، يتبع بعضهم الطريق الاسهل عبر الهبوط الى عالم الارقام ونشر السطحية بالمجتمع، او حتى نشر المهاترات والجدل السياسي الضيق.
لكن هل من مخرج؟ نعم، فالمثقف هو معلم المجتمع وهو الموجه له، ولا يمكنه التذرع بالعقبات التي تقف امامه، مهما كانت العقبات، ومهما كانت الازمة التي يعاني منها المجتمع والسلطة وكل القطاعات في الدولة، يبقى المثقف هو حبل النجاة الذي ينتشل المجتمع من ازماته المتراكمة، وقد يصعب الان الفصل بين مستويات المثقفين وقد نختلف في تعريف المثقف وصاحب الشهادة العليا والنخب الاكاديمية، وهذا ليس محل النقاش، الاهم ان من يملك بذرة الثقافة في فكره لا ينتظر الظروف ليؤدي دوره، بل هو صانع التاريخ ومحرك المجتمع الراكد.
كيف يتحرك المثقف ويحرك غيره وهو يعيش كل هذه الصراعات؟ يصعب علينا وضع مسار محدد، لكن الواضح ان المفكرين والمثقفين في العصور الماضية كانوا قد تعرضوا لازمات وصراعات اشد وطأة من الصراعات التي يعاني منها المثقف العراقي، واستطاعوا عبر اساليبهم المبتكرة تحويل مسار الاحداث نحو الاصلاح والتغيير بدل الوقوف متفرجين ينتظرون الحلول.
لو تساءلنا عن مسؤولية من يقع التغيير؟ هل المواطن البسيط الذي لا يملك لقمة العيش؟ هل المسؤول الحكومي الذي يري الحفاظ على الاوضاع القائمة؟ لا هذا ولا ذاك، لا يمكن ان يحدث التغيير بدون اخذ المثقفين لدورهم بعيدا عن التفكير بمدينة افلاطون التي تنصبهم حكاما على المجتمع، كما ان الانزلاق وراء التبسيط والسطحية يؤكد ان المثقفين هو وقود الازمة وليس المجتمع او السلطة.
اضف تعليق