لم يعد سرا ان طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قد شوهدت اكثر من مرة وهي تقصف مواقع الجيش والقوات الأمنية العراقية بعد كل نجاح تحققه ضد قوات داعش الارهابية سواء حول الموصل أو في محافظة الانبار أما الأمريكيون فقد نفوا ذلك واصفين تلك الادعاءات بالسخيفة. لكن ليس هناك دخان بدون نار ولايمكن حجب الشمس بغربال.
فرغم اعتراف الرئيس أوباما قبل ايام بانه لا يملك استراتيجية للتعامل مع داعش لكن كل الاجراءات التي تقوم بها ادارته توحي بوجود خطة استراتيجية بالفعل ويجري تنفيذها بكل نشاط. فليس بدون خطة أغدقت حكومته على ادارة كردستان بالسلاح بمافيها أسلحة ثقيلة مجانا ودون موافقة الحكومة الاتحادية وقد جاء ذلك بعد مطالبة رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو الغرب في وقت سابق بداية هذا العام بالاعتراف بدولة كردستان. ومع أن تصريحات الرئيس أوباما بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أخيرا التي قال فيها بأن عراقا موحدا هو الأفضل للمجتمع العراقي، لكن السياسة الخارجية الامريكية لا يقررها هو بل اللوبي الاسرائيلي والمحافظون الجدد المهيمنون على صناع السياسة في الولايات المتحدة.
والحال نفسه مع العشائر والقوى السياسية والدينية والشعبية السنية العراقية، حيث تجري حملة واسعة لتأليبهم ضد الحكومة الاتحادية تشارك فيها وسائل الاعلام الغربية بنفس الوقت الذي أبدوا استعدادهم لارسال السلاح لهم مباشرة وايضا دون موافقة الحكومة العراقية. تسليح شرائح واسعة من الشعب العراقي بالسلاح بحجة محاربة عدو من صنعهم (داعش) لا تفسير له غير التمهيد لإشعال حرب قذرة سنية شيعية كردية. أما الهدف الأبعد لحرب كهذه فهو توريط ايران الشيعية لمساندة الشيعة العراقيين. وعلى غرار الحرب اليمنية الدائرة الآن ستقوم دول الخليج بقيادة السعودية بمساندة السنة العراقيين في حرب قد تشتعل على حدود ايران مع العراق التي تمتد لأكثر من 1600 كم من أقصى شمال العراق حتى أقصى جنوبه. هذه الحرب التي قد تندلع في أي لحظة بعد استكمال تسليح أطرافها ستكون حربا اقليمية واسعة للتطهير العنصريالطائفي قد تستمر لعقود تذكر بالحرب التي شهدتها يوغسلافيا في التسعينيات من القرن الماضي.
واذا أخذنا بالاعتبار السياسة الأمريكية العدوانية ضد روسيا فلا يجب استبعاد استخدام حربنا الاقليمية القادمة كفتيل لإشعال النار على الحدود الروسيةالايرانية. فالولايات المتحدة تحاول باستماتة الوصول الى أسيا الوسطى لبدء مرحلة جديدة من الثورات الملونة هناك لفرض عملائها فيها.
ويتواجد لهذا الغرض في واشنطن حاليا بناء على دعوة الحكومة الأمريكية وفد من عشائر الانبار العراقية لإجراء مفاوضات سرية مع المسئولين الأمريكيين. وفي الوقت نفسه يجري السيد سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي هو الآخر مفاوضات منفصلة مع المسئولين الأمريكيين. وقد نقل مراسل صحيفة العراق الجديد العراقية في واشنطن السيد جلال عاشور أن مفاوضات العشائر الانبارية تتم بحضور ممثلين عن منظمة مجاهدي خلق الايرانية.*
وأفاد المراسل الصحفي عاشور أيضا انه قد جرى التركيز في تلك المحادثات حول موضوع التدريب العسكري لمقاتلي العشائر الأنبارية بالتنسيق مع ممثلي مجاهدي خلق الايرانية المعارضة. حيث جرى الاتفاق على تشكيل قوة مشتركة من مسلحي الطرفين تنقسم الى مجموعتين تقوم واحدة منها بقتال تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بينما تقوم قوة مشتركة أخرى بمنع قوات الحشد الشعبي المدعومة من ايران من دخول محافظة الأنبار لمعادلة الكفة الإيرانية ولملء الفراغ الذي لم تعد تشغله القوات النظامية العراقية. لم يذكر الخبر المسرب من الاجتماع الكيفية التي ستمنع بها قوة العشائر الانبارية الحشد الشعبي من دخول الانبار وفيما اذا سيكون ذلك بقتالهم على أرض الأنبار أم بالايعاز لقوات التحالف بقصفهم بواسطة الطائرات العسكرية؟؟ ليلاحظ القارئ العزيز ان مراحل هذه الخطة تتم على غرار خطتهم التي ينفذوها في سوريا التي تعتمد على تمويل وتسليح وتدريب ما يسمى بالمعتدلين السنة لمحاربة ومن ثم اسقاط الأسد.
وذكر المراسل أيضا ان محادثات وفود العشائر الانبارية في واشنطن تأتي بالتزامن مع عقد المعارضة الايرانية (مجاهدي خلق) مؤتمرا لها في باريس بحضور شخصيات أميركية وأوروبية وعربية والذي سيكرس للحديث عن "التدخلات الايرانية في المنطقة. "ولم يشر تقرير المراسل الى محادثات تشكيل الاقليم السني الذي يسعى له الأمريكيون منذ عام 2006 وفيما اذا سيجري الاعتراف بداعش كواقع حال وتقاسم السلطة معها تمهيدا لإعلان الاقليم أو الدولة الاسلامية التي ستمتد من حدود كردستان شمالا حتى الحدود الأردنية وهو حل يتوافق مع طموح السعودية كونه يعزز نفوذها ضد ايران.
ويفهم من الانباء المسربة عن تلك الاجتماعات انه من غير المسموح للشباب العراقي التطوع الى جانب جيشه لمقاومة داعش الارهابية وطردها من الأراضي العراقية بمافيها الانبار. مع العلم أن الكثير من متطوعي الحشد قد استشهدوا دفاعا عن الانبار وصلاح الدين وان آلافا منهم تحتشد حول الانبار حاليا لتحريرها من ارهابي داعش. لكن متطوعي الحشد الشعبي هم عراقيون دفعتهم مشاعرهم الوطنية للدفاع عن بلدهم وان كلفهم ذلك حياتهم فأي خطة قذرة هذه التي تدفع بعراقيين آخرين لقتالهم فقط لأن الأمريكيين يريدون ذلك، فهل فقد ابناء العشائر الانبارية عقولهم ليكونوا أدوات لخدمة المصالح الامبريالية الأمريكية..؟؟
ان الموقف الامريكي الأخير هذا يشكل سابقة خطيرة في العلاقات بين البلدين تجعل من استمرار الاتفاق الاستراتيجي بين الدولتين الموقع عليه عام 2011 غير ممكن وعلى الحكومة العراقية التفكير في أمر الغاء التسهيلات باستخدام القواعد العسكرية العراقية المنصوص عليها في ذلك الاتفاق بأسرع وقت. ويتطلب هذا بالضرورة التوجه نحو التعاون مع دول أخرى يشهد تاريخ علاقاتنا معها على التكافؤ في المنافع المتبادلة. وكانت روسيا والصين الشعبية ودول محايدة أخرى قد أرست مع العراق قبل الاحتلال عام 2003 تعاونا بناءا خدم المصالح المشتركة لكل الاطراف ويعود لذلك التعاون الفضل في بناء الصناعة الوطنية العراقية وتسليح الجيش العراقي بأحدث الاسلحة. التعاون الدبلوماسي والاقتصادي مع الولايات المتحدة في حدود العلاقات الدولية يمكن أن يستمر خدمة للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم.
ولهذه الأسباب يطلب من الحكومة العراقية بناء على المتغيرات الجديدة العمل بكل جدية ومسئولية وحرص على استعادة الثقة بين مكونات شعبنا واصلاح ما خربته سياسة فرق تسد الاستعمارية خلال الاثني عشر عاما الماضية. القوى السياسية كافة مدعوة هي الأخرى للعمل على تفعيل الشعار الوطني الذي رفعته جماهير شعبنا ابان الغزو الأمريكي لبلادنا " هذا الوطن مانبيعة – نحميه سنة وشيعة - ". لا نشك أبدا بصعوبة تحقيق هذه المهمة بعد كل هذا الخراب الذي صنعه المحتلون " فلا أحد يدرك النور ومنافعه من دون أن يدرك الظلمة وأخطارها " كما تقول الحكمة المأثورة. الخطوة الأولى على هذا الطريق هو عقد المؤتمر الوطني للقوى الوطنية كافة لبحث الموضوعات التالية:-
1- تشخيص المخاطر التي تهدد وحدة العراق أرضا وشعبا.
2- مراجعة البنود الدستورية والتنظيمية ذات العلاقة كمنطلق لمواجهة هذه المخاطر.
3- اقتراح السبل السياسية لتنظيم العلاقة بين القوى السياسية كمرجعية للاحتكام لها عند الاختلاف والأزمات السياسية والتشريعية والدستورية.
4- اقتراح التعديلات الدستورية والبت في الخلافات الناشئة عن تفسير مواده التي شكلت سببا لإضعاف العلاقات القومية والوطنية بين مكونات شعبنا.
5- تنظيم العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي كان لاحتلالها للعراق واقعا سياسيا كان سببا رئيسيا في ظهور المخاطر المهددة لوجود العراق موحدا. وتستدعي الضرورة انهاء كل ما ترتب على احتلالها للعراق وارساء علاقاتنا السياسية معها بكوننا دولة مستقلة كاملة السيادة كليا.
6- البحث بكل صراحة الخلافات السنية الشيعيةالكردية وارساء قواعد لعلاقة أخوية حقيقية تبنى على الشفافية والمكاشفة لا تترك أية شكوك في مواقف المكونات الثلاث المذكورة وتنصرف تلك القواعد على بقية مكونات الشعب العراقي.
7- اعادة دراسة توزيع الموارد المالية بوضع اسس معدلة تنصف كافة المدن والقرى والقصبات عند وضع خطط التنمية الاقتصادية للدولة العراقية.
8- وضع الخطط الاقتصادية الطويلة المدى للانتقال بالعراق الى مصافي الدول المتقدمة اقتصاديا وعلميا وثقافيا فله من الموارد المادية والبشرية ما يؤهله لذلك.
اضف تعليق