q
لم تجنِ الجماهير الغاضبة سوى الشيء البسيط جراء الحراك الشعبي الذي توهجت شرارته في شهر تشرين من العام المنصرم، ولم نعرف فيما اذا سيأتي هذا التحرك اُكله في القريب العاجل ام سيبقى مرهون بالتوافقات السياسية التي عادة ما تحصل بين الفرقاء المشتركين بتراجع الأوضاع وانحدار مستوى الخدمات بشكل مخيف...

مر عام على اندلاع الانتفاضة الشعبية التي شهدتها بعض محافظات البلاد المتذوقة لمرارة الحكومات السابقة، من نقص في الخدمات وفقر حاد بفرص العمل، يقابله تنامي واتساع في عملية نهب المال العام واستثمار المناصب الحكومية في انتفاخ الميزانية الحزبية وتغيير الأوضاع المادية لأصحاب النفوذ.

جميع ما تم ذكره كان سببا كافيا لتأليب الرأي العام الداخلي وثورته ضد الطبقة السياسية التي لم تحسن التصرف في قوت الشعب، ولم تُجيد العمل على النهوض في البلاد من حالة التحطم التي إصابته بصورة متعاقبة، وعلى مدى عقود من الزمن لم تكن هنالك عزيمة حقيقية للخلاص من الكابوس المزعج.

الجماهير الغاضبة لم تتجاوز أعمارهم الثلاثين ربيعا في بادئ الأمر، لكن وبفعل الدعم الشعبي الذي حصلت عليه الثورة من قبل جميع النقابات والاتحادات، بالاضافة الى المرجعيات الدينية، زاد الزخم في ساحات الاعتصام وحلت الجموع مكان العجلات في الأماكن العامة، ما يشير الى اتساع مدى مقبوليتها في الاوساط.

استمر الضغط وأخذ بالتزايد الى درجة اجبر رئيس الحكومة عادل عبد المهدي على تقديم استقالته تحت وطئة الغليان الشعبي، وكذلك الدعم الدولي الذي وقف ولأول مرة مع مطالب الشعب والحث على تلبيتها من قبل السلطات القائمة، وقد تكون هذه المرة الأولى التي يعبر فيها المجتمع الدولي عن جديته في تغيير الأوضاع نحو الأفضل.

ما أعطى الجماهير الغاضبة الدافع الكبير هو الاستجابة السريعة من قبل حكومة عبد المهدي في تقديم الاستقالة، الأمر الذي مكنهم من مواصلة المشوار المطلبي، فبعد ذلك طالت رايح الاحتجاج قانون الانتخابات وبالفعل تم سن قانون جديد يتلائم ومطالبهم في الوهلة الأولى، لكن تم الالتفاف عليه فيما بعد ولايزال محل شد وجذب من قبل الكتل السياسية.

ولم يتوقف الحد عند هذا بل استمر حتى اصبحت المطالب التشرينية تقترب من التعجيزبة الى حد ما، اصبحوا الثوار لا يقبلون بأي مرشح من قبل الكتل السياسية، بالتزامن مع رفضهم تقديم مرشح يرونه مناسبا لإدارة دفة الحكم وعبور المرحلة الحرجة.

بقي الحال كما هو لبضعة شهور، ازدادت الامور تعقيدا، وكثرت اعداد الإصابات، وزادت حصيلة الشهداء بين صفوف المنتفضين، امر ولد حالة استياء شعبية، يمكن اعتبارها ردة فعل عكسية، فقد تحول جزء من رأي الأغلبية الداعمة، الى رافض لبعض الممارسات غير المدروسة.

هذه التصرفات فسحت المجال للحكومة التي تم اختيارها ومساندتها من قبل الجبهات الداخلية، وبدعم ومباركة من قبل جهات دولية لها نفوذ كبير في البلاد، وتتمتع بتأثير لا محدود على اطراف العملية السياسية، وهنا وجهت الضربة الأولى للشباب التشريني المنتفض منذ شهور لتحقيق بعض المطالب المشروعة.

اما الضربة الثانية فكانت عبر زج بعض الاشخاص الذين قاموا بتصرفات غير لائقة كالاعتداء على الأجهزة الأمنية، والممتلكات العامة، اذ تندرج تلك الأعمال ضمن الحملات التسقيطية التي شنتها جهات معروفة الميول والأهداف، من اجل اضعاف قوى الشعب المعارضة للسياسات الخاطئة والمتخبطة.

الخطأ الذي وقع فيه الشباب المنتفض في تشرين هو عدم فرز الأصوات النشاز التي تحاول وبأستمرار حرف مسار الثورة لتحقيق غايات واهداف ضيقة لا تتعدى مصلحة الجهة المحركة لهم، والتي تريد ان تُجير كل شيئ لمصلحتها دون مراعاة تُذكر لمصلحة أفراد الرعية المتضررون.

ولغاية الآن وحراك تشرين لم يقدم ورقة اصلاحية واضحة المعالم وقابلة للتطبيق على ارض الواقع، وهذه الورقة اذا اراد الشباب المشارك في المظاهرات تفعليها من الضروري ان يعملون على تكوين تجمع سياسي يضم نخب وكفاءات تحمل افكار التجديد ولديها الحزم على تنفيذ بنود الإصلاح.

لم تجنِ الجماهير الغاضبة سوى الشيء البسيط جراء الحراك الشعبي الذي توهجت شرارته في شهر تشرين من العام المنصرم، ولم نعرف فيما اذا سيأتي هذا التحرك اُكله في القريب العاجل ام سيبقى مرهون بالتوافقات السياسية التي عادة ما تحصل بين الفرقاء المشتركين بتراجع الأوضاع وانحدار مستوى الخدمات بشكل مخيف.

اضف تعليق