ان الاستهداف مدير الشركة المنفذة لمشروع ميناء الفاو الكبير، ببساطة يمكن ان نعده هو اغتيال للميناء أولا وللعراق ثانيا، فبهذه الأعمال يبقى العراق يدور بذات الدائرة التي قبع فيها منذ العام 2003 ولغاية الآن دون التفكير بطريقة مثلى للخروج منها واللحاق بمصاف الدول التي أخذت تتعافى من نوبة الحروب القاتلة...
لم يدور بمخيلة مدير شركة دايو الكورية المنفذة لمشروع ميناء الفاو الكبير ان تكون نهايته بمثل ما وجد عليه مشنوقا في احدى صالات الألعاب الرياضية التابعة لموقع العاملين في الشركة، ولم يعرف العراقيين أنفسهم ان من يشرف على واحد من اهم المشاريع الاستراتيجية في البلد يلقي حتفه بهذه الصورة البشعة.
على الرغم من قساوة المشهد الذي لم ينم عن وجود ذرة من الإنسانية في قلوب مرتكبيه، هذا اذا أجزمنا ان الوفاة كانت بفعل فاعل ولم تكن عملية انتحار كما روجت بعض الجهات التي تريد ان تبعد الشبهات التي تحوم حول الجريمة المروعة بحق.
بصرف النظر عن الاعتداء الذي طال مدير الشركة، الا ان الأمر بحاجة الى التناول وبشكل مفصل، لما يشكله التصرف من تهديد واضح على مستقبل العراق العمراني بصورة مباشرة، ومن المتوقع ان تكون هذه الحادثة سببا كافيا لسد شهية الشركات الأجنبية التي لديها الرغبة بالاستثمار داخل العراق.
فبعد ذلك ازدادت الامور سوءً ونحن بأمس الحاجة لان تكون في البلاد بيئة آمنة تحمي المستثمر وتجعله يمارس عمله بكل اطمئنان وامان، اما الذي حدث يشي بشيء من الفوضى العارمة التي تسود البلد، ويوضح ايضا مدى عجز الأجهزة الأمنية بصنوفها كافة، عن مزاولة عملها وتأمين الحماية للأفراد، حفظا على حياتهم من الفقدان وممتلكاتهم من الخطر.
يصمم البعض على عدم وصفها بعملية انتحار وانما هي عملية اغتيال نفذت من قبل مخابرات دولية لها مصلحة من عدم انجاز ميناء الفاو الكبير، الذي وحين انجازه بصورة كاملة، سيحقق ازدهارا اقتصاديا للعراق من جهة وانعدام الاهمية الاقتصادية لميناء مبارك الكويتي وتضرر دول اخرى كالإمارات التي تريد الهيمنة على الموانئ في المنطقة.
وكذلك مصر التي ستتضرر قناة السويس بعد انجاز طريق الحرير، وتنضم امريكا والسعودية واسرائيل الى القائمة بعد ان يقوى العراق اقتصاديا ويصبح لديه مورد بديل عن الموارد النفطية التي تتصف بعدم الثبات والتذبذب بكميات الانتاج والأسعار ايضا.
اي عاقل لا يستطيع ان يضع العملية بخانة الانتحار، والأسباب متعددة، من أهمها هو الاعتراضات الدولية من قبل دول الجوار وغيرها قبل الشروع بتوقيع العقد مع الشركة الكورية، من اجل إيقاف المشروع وعدم المضي نحو إكماله؛ لما يشكله من طفرة نوعية في الاقتصاد العراقي أولا وكذلك تأثيره من الناحية الاقتصادية على دول المجاورة.
ميناء الفاو الكبير واحد من اكثر المشاريع الواجب اكمالها في الوقت العصيب الذي يمر به العراق، وهي حالة الركود الاقتصادي، أضف الى ذلك ما تواجهه الحكومة العراقية من مشكلة تأمين الرواتب للموظفين وقلة المردودات المالية بشكل واضح وازدياد كبير في منافذ الصرف الاستهلاكي، جميع هذه العوامل تشكل منعطفا خطيرا.
كثيرا من الدول لا تريد للعراق ان تعود اليه مكانته السابقة وتأثيره على الساحة الدولية، لذا نجدها تحاول وبشتى الطرق ان تبعد هذا الخطر الداهم والمزعزع لنفوذها الاقتصادي وهيمنتها على طرق التجارة العالمية منذ سنوات دون منافس حقيقي مثل العراق.
اليوم وبعد ان ادركت الجهات المسؤولة عن الملف ولديها الحرص الشديد على جلب الفائدة للبلد المنهوبة خيراته الكثيرة، الى جانب تلمسها مدى الاستفادة المترتبة فيما اذا اكتمل المشروع، قامت بالتشمير عن سواعدها وعملت بهمة ليس لها نضير على اتمام هذا الشريان الحيوي لبلد مثل العراق يتمتع بمزايا متعددة واهمها الموقع الجغرافي.
تتميز البيئة الاستثمارية في العراق بعدم النضوج وغير ملائمة لاستقطاب روؤس الأموال الأجنبية من اجل الاستثمار وخلق فرص عمل تستوعب يد العمل المحلية، ومن ثم حصول التنمية الاقتصادية المتأخرة بدرجة كبيرة.
ان الاستهداف مدير الشركة المنفذة لمشروع ميناء الفاو الكبير، ببساطة يمكن ان نعده هو اغتيال للميناء أولا وللعراق ثانيا، فبهذه الأعمال يبقى العراق يدور بذات الدائرة التي قبع فيها منذ العام 2003 ولغاية الآن دون التفكير بطريقة مثلى للخروج منها واللحاق بمصاف الدول التي أخذت تتعافى من نوبة الحروب القاتلة.
وبعد ذلك يتوجب على الحكومة العراقية إعادة النظر في حماية المستثمرين المتواجدين في الداخل، من اجل مواصلة الأعمال الموكلة لهم، فضلا عن كونهم سيكونون في المستقبل القريب، من الدعاة الى العمل بهذه البيئة المهيئة والمناسبة للازدهار الاقتصادي.
وان لم تعطي هذه النقطة الأهمية القصوى وتواصل سعيها لسد الفجوة المنبثقة نتيجة الأعمال التخريبية والجهات التي لا تود ان ترى بلاد الرافدين يستنشق عبير الرخاء والتقدم وان يبقى مختنق بغبار الحروب المحطمة.
اضف تعليق