q
هل ان الدولة الحضارية الحديثة مشروع سياسي ام مشروع حضاري؟ والسؤال ينطوي على التمييز بين مفهوم المشروع الحضاري، من جهة، ومفهوم المشروع السياسي من جهة اخرى. وهذا التمييز صحيح كصحة التمييز بين الكل والجزء. فالمشروع الحضاري هو الكل الذي يعبر عن البناء الحضاري المتكامل...

يتساءل بعض المتابعين: هل ان الدولة الحضارية الحديثة مشروع سياسي ام مشروع حضاري؟

والسؤال ينطوي على التمييز بين مفهوم المشروع الحضاري، من جهة، ومفهوم المشروع السياسي من جهة اخرى. وهذا التمييز صحيح كصحة التمييز بين الكل والجزء. فالمشروع الحضاري هو الكل الذي يعبر عن البناء الحضاري المتكامل من مختلف المجالات بما في ذلك المجال المعرفي والثقافي والاقتصادي والسياسي وغير ذلك. ويمكن القول ان المشروع الحضاري تتفرع منه عدة مشاريع فرعية متعلقة بجوانب الحياة الاخرى، وكل من هذه المشاريع يتحرك في مجاله التخصصي بافق حضاري ويتكامل مع المشاريع الفرعية الاخرى. وهذا ينطبق على المشروع السياسي الذي هو المشروع الفرعي المتخصص بالجانب السياسي. فهو جزء من كل.

والدولة الحضارية الحديثة هي التجسيد السياسي للمشروع الحضاري القائم على فكرة المركب الحضاري والقيم العليا الحافة به. وعليه تكون الدولة الحضارية الحديثة مشروعا سياسيا بافق ومضمون حضاري.

انها مشروع سياسي لأنها مشروع دولة، الدولة بمعناها العام بما في ذلك القول انها تتالف من اربعة عناصر هي: الشعب، والارض، والحكومة، والنظام القيمي الحاف بالمركب الحضاري المؤلف من العناصر الخمسة وهي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل.

لكنّ فكرة الدولة الحضارية الحديثة دعوةٌ الى بناء دولة بمواصفات مشخصة ومحددة، اختصرناها لاغراض تعريفية بكلمتين هما: الحضارية والحديثة.

الدولة الحضارية الحديثة مشروع سياسي بافق ومضمون حضاري لانه يدعو الى اقامة دولة "حضارية"، وكلمة "الحضارية" المستخدمة هنا لوصف الدولة لا تحمل معنى النسبة او الاحالة الى اي من الحضارات المعروفة، الباقية او البائدة؛ وانما تحمل معنى الاحالة الى النظام القيمي الذي تؤمن به وتتبناه الدولة.

الدولة الحضارية الحديثة هي الإطار المؤسسي لتفاعل عناصر المركب الحضاري فيما بينها على اساس القيم الحضارية العليا التي تؤمن بها الدولة وتجعلها المادة الاساسية في نظامها التربوي والتعليمي.

ففكرة الدولة الحضارية الحديثة بما انها مشروع سياسي بافق حضاري فانه "يخلو، كما لاحظ عن حق الاستاذ اسحاق الموسوي، من المسائل الوجودية (الانطولوجية) وبالتالي لايقدم اجابات لها وهو كذلك لا يهتم بقضايا نظرية المعرفة (الابستمولوجيا) في تحديد مصادر المعرفة وإمكانها"، لان هذه هي وظيفة المشروع الحضاري بمعناه العام الشامل وفروعه المتخصصة. ولهذا "فهو ليس مشروعاً حضارياً عاما بل هو مشروع حضاري سياسي"، كما اضاف الاستاذ الموسوي، بمعنى انه الفرع السياسي للمشروع الحضاري. وقد شرحت في مقالات سابقة الفرق بين الدولة الحضارية والدولة غير الحضارية ودرجات الارتقاء بينهما. فالدولة تكون حضارية بقدر ما تجسد القيم العليا الحافة بعناصر المركب الحضاري، وبقدر ما تنجح في توظيف عناصر المركب الحضاري لتحقيق الهدف الاساسي لوجودها وهو تحسين ورفع مستوى حياة الانسان في مختلف المجالات بما يحقق له الشعور بالرضا والسعادة. ولما كان تحسين مستوى الحياة ينطوي على درجات مختلفة، فالمتوقع ان نشاهد درجات مختلفة للدولة الحضارية الحديثة، وهذا ما نجده فعلا في عالم اليوم من خلال الدرجات المتفاوتة التي تحصل عليها دول العالم في المؤشرات الكاشفة عن درجة تحقق الدولة الحضارية الحديثة.

وتم وصف الدولة الحضارية بانها "حديثة"، بمعنى انها تقوم على الركائز التي توصلت البشرية الى الاقرار بها بدءاً من مؤتمر وستفاليا في سنة ١٦٤٨ وليس انتهاء بقائمة اهداف التنمية المستدامة لعام ٢٠١٥ ومرورا بالاعلان العالمي لحقوق الانسان في عام ١٩٤٨. وهي حداثة مستمرة متجددة، انطلاقا من مقولة ان لكل عصر حداثته، وانطلاقا من الايمان بالدور الكبير الذي يجب ان يلعبه العلم الحديث في بناء الدولة وتحسين الظروف المعيشية للإنسان.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق