لم تنجح الأطراف السياسية في لبنان من تخطي العقبة وتشكيل الحكومة المرتقبة، وعلى الرغم من تعهد السياسيين امام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الاخيرة الى لبنان بتشكيل حكومة بمدة لا تتجاوز الخمسة عشر يوما، الا انهم أخفقوا في التوصل لاتفاق يرضي جميع الأطراف...
لم تنجح الأطراف السياسية في لبنان من تخطي العقبة وتشكيل الحكومة المرتقبة، وعلى الرغم من تعهد السياسيين امام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الاخيرة الى لبنان بتشكيل حكومة بمدة لا تتجاوز الخمسة عشر يوما، الا انهم أخفقوا في التوصل لاتفاق يرضي جميع الأطراف.
حجر العثرة هذه المرة هي الحقيبة المالية، فتمسك طرف بها ومنعها على غيره، كان من اهم الأسباب التي أدت الى ارجاء الإعلان عن الحكومة الجديدة في مدتها المحددة، فعدم توصل الكتل الى صيغة مقبولة دعا رئيس الحكومة الحالية مصطفى أديب الى تأجيل موعد الإعلان، لإعطاء اكبر قدر من الوقت لتدارك الأمر وعدم تفويت الفرصة التي منحتها الحكومة الفرنسية للبنان.
الوضع الحالي في لبنان لا يتحمل مزيدا من التصعيد، كون البلد يمر بظروف قاهرة، وتحديدا من الناحية الاقتصادية، وبذلك ينبغي على الفرقاء السياسيين تنحية الخلافات جانبا والعمل وفق خارطة سياسية واضحة المعالم، اذ لا تزال الكرة بالملعب اللبناني وفي حال خروجها سيندم الجميع على عدم استثمار الدعم والوقفة الفرنسية.
هنالك اطراف خارجية وداخلية تعمل على تعقيد الامور خدمة لمصالح بعض الدول، فان الاستقرار الداخلي وحلحلة الامور لا يصب في مصلحة امريكا التي تريد ان يزداد الحال سوءً، وتعمل على زيادة الضغط الداخلي وشحن الأجواء لخلق ردة فعل جماهيرية داخلية تجاه الأحزاب او الجهات المتنفذة بالوقت الراهن.
الموقف الامريكي في الشأن اللبناني واضحا منذ البداية وعبر عنه مرارا وتكرارا وزير خارجيتها مايك بومبيو، حيث قال"ابعدو حزب الله عن الحكومة اللبنانية وستحصلون على الدعم المالي لمواجهة الأزمة الاقتصادية"، وبالتالي فان ما تمر به البلاد من حالة عدم استقرار وشبه فوضى مصطنعة ولها من يحركها خدمة للموقف الذي تريده محاور معينة.
ان ما زاد الامور تعقيدا في الوقت هو تضعضع الوضع المالي لايران الحليف الأقوى لحزب الله، فلو تتمكن من الوقوف الى جانب الحكومة الحالية، لما فسحت المجال امام المحور الغربي ببسط نفوذه او التدخل بصورة اكبر مما تريد حكومة طهران.
الحكومة الحالية بقيادة أديب أمامها جملة من العراقيل، ومطلوب منها خلق التحرك بجهود استثنائية لإثبات حسن نيتها امام الرأي العام الداخلي، الذي لم يهدأ منذ شهور نتيجة لسوء الأوضاع الفردية وترديها، الى جانب انهيار شبه تام لقطاع السياحة وغيرها من القطاعات التي تعد أبواب العيش الرئيسية.
فالبلاد لا تزال تعاني من التناحرات السياسية، التي تحركها اجندات خارجية تدفع بها نحو الشرق والغرب، وطالما تتحكم الجهات الدولية بالشأن الداخلي للبنان، فان من الصعب الذهاب صوب شاطئ الاستقرار الذي تنشده جميع الأنظمة الحاكمة ولم تفلح به للأسباب آنفة الذكر.
وعدم ادراك الواقع المرير الذي تعيشه لبنان من قبل الطبقة الحاكمة والمتحكمة بالمشهد السياسي، ربما يجبر فرنسا على الذهاب لسياسية فرض العقوبات على السياسيين اللبنانيين؛ بسبب عدم التزامهم بوعودهم التي قطعوها امام رئيسها إيمانويل ماكرون، وقد تتخلى فرنسا ايضا عن موقفها المدافع عن لبنان في جميع المحافل الدولية.
وهذا التخلي بالتأكيد سيزيد الامور تعقيدا ويجعلها تتجه نحو المجهول، وان حصل هذا بالفعل فهو طبيعي جدا في عالم السياسية القائم على التبادل المنفعي، والتعامل مع المواقف حسب المصالح والفوائد التي ستُجنى من التقاربات والتفاهمات الدائرة بين المحاور الدولية.
ان تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية لا يزال حبيس التوافقات السياسية، وما اخره هو كتلة الضغوط التي سقطت على رأس بعض الكتل التي لها ارتباطات خارجية، لا تريد ان تمر التأليفة الحكومية بهذه الصورة، لكن وفي ذات الوقت ان الخاسر الوحيد من هذا التأخير وعدم دوران العجلة السياسية في البلاد هو المواطن فقط.
ففي حال تم تحريك العجلة المتوقفة، ستتحرك معها الجهود الدولية التي تنتظر الوصول الى توافق داخلي حقيقي من اجل مساعدتها في أوقاتها العصيبة تلك.
ليس من مصلحة لبنان ان تخسر اهم الأصدقاء على المستوى الدولي، وفي حال استمرت الكتل السياسية التعامل مع الظروف الحالية بهذه الشاكلة ربما تجعل ماكرون يرفع يده عن الملف اللبناني وستذهب الامور الى مأزق يصعب الخروج منه.
اضف تعليق