ان العراق اذا ما أراد النهوض الى مسار الدول المتقدمة عليه ان يعمل موائمة بين الاقتصادين الندرة والوفرة من خلال إعادة هيكلة الانفاق العام وترشيـده وإجـراء زيـادة حاسمة في الإنفـاق المخصص لتعـزيـز المعرفـة، ابتــداء مـن الابتدائيـة وصـولاً إلى الجـامعة مـع توجيه اهتمـام مركز البحـث العلمي والعمـل على خـلق وتطـويـر...
م.م اسراء هادي كاظم الركابي – إدارة اعمال جامعة بغداد
في ظلِّ التغيُّرات الجديدة التي شهِدَها العالم في شتَّى المجالات، وما أحدثتْه ثورة التكنولوجيا والمعلومات من تطوُّر سريع وواسع النِّطاق تطلب التحول من اقتصاد الندرة الى اقتصاد الوفرة من خلال استخدام المعرفة وتحويلها الى منتج، اذ تشير الندرة إلى المشكلة الاقتصادية الأساسية والفجوة بين الموارد المحدودة (أي الشحيحة) والاحتياجات غير المحدودة نظريًا، ويتطلب هذا الوضع من الناس اتخاذ قرارات حول كيفية تخصيص الموارد بكفاءة، من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية والعديد من الاحتياجات الإضافية، فيعرف البعض الندرة عندما تكون وسائل تحقيق الغايات محدودة ومكلفة، بينما يذكرها البعض على انها تخصيص وسائل محدودة لتلبية رغبات واحتياجات غير محدودة. حتى الموارد الطبيعية المجانية يمكن أن تصبح شحيحة إذا زادت تكاليف الحصول عليها أو استهلاكها أو إذا زاد طلب المستهلك على الموارد غير المرغوب فيها سابقًا بسبب التفضيلات المتغيرة أو الاستخدامات المكتشفة حديثًا اذ تتغير شحة الموارد.
ومِن المعلوم نظريًّا أن اقتصاديات الأشياء الماديَّة تختلف تمامًا عن اقتصادِيات المعرفة فيتَّصف اقتصاد المعرفة بأنَّه اقتصاد وفْرة أكثرَ مِن كونه نُدرة، ولأنَّ الموارد يمكن أن تنضبَ مِن جرَّاء الاستخدام والاستهلاك بينما تزداد المعرفةُ بالتعلُّم والممارسة والاستخدام اذ انها سلعة لا تستهلك وتتولد ذاتيا بالاستهلاك (اي عند نقلها الى الاخر أو الاخرين). ومع التكنولوجيا الرقمية تكون التكلفة الحدية لأية نسخة لاحقة على النسخة الأولية أقرب الى الصفر. فمبدأ الوفرة هو الشكل البارز في اقتصاد المعرفة، وكذلك فإنَّها تنتشر بالمشاركة، ولقد برز دور الاقتصاد المعرفي في الوقت الحالي وتجسد في ثوره الاتصالات والمعلومات وبات هذا نمط الاقتصاد يقوم على فهم أكثر عن دور المعرفة فقد باتت المعلومات الاستراتيجية الجديدة في الحياة الاقتصادية المكمل للموارد الطبيعية ويعرف بانه دمج التكنولوجيا الحديثة في عناصر الانتاج لتسهيل انتاج السلع ومبادله الخدمات بشكل ابسط وبأسرع وقت.
ولقد عرفه برنامج الامم المتحدة الالماني الاقتصاد المعرفي بانه نشر المعرفة وانتاجها وتوظيفها بكفأيه في جميع مجالات النشاط المجتمعي الاقتصادي والمجتمع المدني والسياسي والحياة الخاصة وصولا الى ترقيه الحالة الإنسانية باطراد. ويعمل اقتصاد المعرفة بالتحول من مركز الثقل من المواد الأولية والمعدات الرأسمالية الى التركيز على المعلومات والمعرفة والبحث.
ولكن رغم معرفة التحول واهميته لازالت بعض الدول تأخذ دور المتفرج اذ يقول الدكتور مالك بن نبي (ان مشكلتنا نحن دول العالم الثالث واليابان وقفنا نحن من الدول الأوربية المتقدمة موقف الزبون ينتجون فنستهلك يصنعون فنشتري اما اليابان وقفت من تلك الدول المتقدمة موقف التلميذ الذي يريد أن يتعلم شيء جديد كل يوم وهم حصدوا ثمار تلك الرغبة في التطور العمراني فاستقطبوا هذه الأفكار وامنت بقدرتها واسسوا حضارة ترتقي بالإنسان من خلال إدارة الاعمال والأموال وكيفية الاستفادة القصوى من هذين الميزتين حتى وان كانت بمستوى محدود ولكن بتكاتف الجهود يمكن التطور والتقدم) وعلى هذا الأساس، تسعى الكثير من الدول نحو اقتصاد المعرفة لاستعماله في رفع الانتاجية وابتكار سلع وخدمات جديدة لكننا مازلنا حتى اليوم في موقع المتلقي السلبي، لا المنتج، لثمار وإنجازات الثورة العلمية التكنولوجيا في كل مراحلها، ونحن أحوج ما نكون إلى التعامل مع هذه المتغيرات، وإلا سنجد أنفسنا عاجزين عن ولوج الاقتصاد الجديد والمساهمة فيه، وسنقف على هامش مسيرة التقدم، في الوقت الذي بدأت تظهر فيه نتائج هذا النمط الاقتصادي في الاقتصاد العالمي، وما يميزه أن المجالات الاستثمارية التي خلقها سواء الصناعية أو الخدمية ما هي إلا بدائل للنشاطات القائمة.
ومن خلال ما لدينا من معطيات عن الدول الأوربية والشرقية فأن العراق اذا ما أراد النهوض الى مسار الدول المتقدمة عليه ان يعمل موائمة بين الاقتصادين الندرة والوفرة من خلال إعادة هيكلة الانفاق العام وترشيـده وإجـراء زيـادة حاسمة في الإنفـاق المخصص لتعـزيـز المعرفـة، ابتــداء مـن الـدراسـة الابتدائيـة وصـولاً إلى التعـليم الجـامعي مـع توجيه اهتمـام مركز البحـث العلمي والعمـل على خـلق وتطـويـر رأس المال البشـري بنوعية عالية، وخـلق المناخ المنـاسب للمعرفة، فالمعرفة اليوم ليست ترفً فكريًا، بل أصبحت أهم عنصر من عناصر الإنتاج.
اضف تعليق