اثبت تيسلا ان الرجال الثوريون مثل إديسون غالبا ما يرتكبون أخطاء فظيعة حالهم حال أي انسان اخر، ومن واجب الاخرين تصحيح هذه الأخطاء قبل ان تتحول الى تقاليد راسخة، ولو بقي تسلا يقدس تيار اديسون لاحتاج العالم اليوم الى مئات الالاف من المحطات الكهربائية، لكنه كان مؤمنا بمحدودية...
في حدود الساعة الخامسة صباحاً يوم السادس من شهر آب سنة 1890، أيقظ حراس أحد السجون الأميركية ويليام كيملر من نومه وطلبوا منه الاستعداد لتنفيذ حكم الإعدام في حقه، اثر ادانته بقتل زوجته، ارتدى كيملر ثيابه وتناول فطوره قبل أن يجلس بمفرده ليردد بعض الصلوات.
ثبت الحراس المتهم ويليام كيملر إلى كرسي كهربائي ووضعوا الصحن المعدني الموصول بالمولد على رأسه وجاء ذلك قبل أن يتم شحن المولد بتيار متردد بلغت قوته 1000 فولت. لم تنجح عملية الإعدام بهذه القوة الكهربائية، فعادوا لشحن المولد الكهربائي بقوة 2000 فولت، وتمت اول عملية اعدام بالتيار الكهربائي المتردد في التاريخ البشري.
من المثير في الحادثة ان المخترع الأميركي العظيم توماس الفا اديسون هو من اقنع السلطات بتنفيذ الإعدام عبر استخدام الصعق بتيار كهربائي لا يحبه يسمى "التيار المتردد"، فلماذا؟ وما تأثير ذلك على حياتنا الان؟
هناك جمل وكلمات شائعة لدى العراقيين في كل مرة يتذكرون فيها الكهرباء، يبدؤون بالترحم على المخترع الأميركي توماس اديسون لكونه مخترع التيار الكهربائي، لكن له جانب من الحقيقة وجانب اخر من المبالغة وعدم المعرفة بتاريخ الاختراعات، فالحقيقة ان اديسون له مساهمات كبيرة في تحويل الكهرباء واقع عملي، وفي نفس الوقت لو بقي العالم على أفكار إديسون ربما ما زلنا نعيش في القرن التاسع عشر ولم نتقدم الا خطوات بسيطة والسبب هو ذات المخترع الأميركي، نعم هو ذاته الذي حارب بشراسة ضد الكهرباء التي نستخدمها الان. وستعرفون لماذا عند نهاية المقال.
يملك اديسون 1093 براءة اختراع، ابرزها اختراعه جهاز الفونوغراف عام 1877المستخدم لتسجيل الصوت، او كما نسميه في العراق "المسجل" وهكذا ذاع صيته في جميع أنحاء العالم، واختراعه المصباح الكهربائي المتوهج عام 1880 مستفيدا من اعمال علماء سبقوه بأكثر من نصف قرن، كما انشأ اول محطة كهربائية في العالم عام 1882، ومنذ ذلك الحين بدأت الكهرباء تدخل ضيفا لطيفا الى بيوت الاميركيين، وخلال السنوات الخمس التالية استطاع بناء 120 محطة للطاقة في الولايات المتحدة لتزويد الكهرباء بنظام التيار المستمر.. لكن هل حقا أنشأ إديسون هذا العدد الهائل من محطات الطاقة الكهربائية؟ ولماذا يحتاج الى هذا العدد؟ نعم فقد كان يعتمد ما يسمى بالتيار الكهربائي المستمر، وهذا التيار يفقد قوته عند تجاوزه مسافة ميل واحد، ومن ثم فهو بحاجة الى محطة كهربائية لكل ثلاثة كيلومترات، ما يعني ان مدينة نيويورك وحدها بحاجة الى 100 محطة لإنارتها، ما عدى الضواحي طبعا.
ومع انتشار محطات إديسون، كان هناك رجل صربي اسمه نيكولا تسلا، مهندس كهرباء يتبادل الكراهية مع اديسون وقد تعاقد مع شركة وستنكهاوس على بناء محطات اقل وطاقة أكثر كفاءة ستحطم كل محطات إديسون، هذه المحطات تعتمد على "التيار المتردد" والذي يستطيع الوصول الى مئات الكيلومترات دون ان يفقد قوته، وَعَدَ نيقولا تسلا بإضاءة مدينة نيويورك وضواحيها والمناطق النائية بمحطة كهربائية واحدة، وبسعر ارخص؟ كل ذلك يعتمد على التيار المتردد الذي يكرهه اديسون، لماذا يكرهه، لأنه لم يخترعه؟ هو لا يريد الاخرين ان يخترعوا شيئا، يريد احتكار كل شيء.
برأيك انت ما هو الخيار الأفضل 100 محطة لإنارة مدينة ام محطة واحدة؟ ما هذا الجنون؟ بالتأكيد محطة واحدة، بدون ضوضاء وبدون تلوث، كما انها بدون كهرباء إديسون غير العملية، ومن هنا بدأت حرب التيارات، تلك الحرب بين التيار المستمر لإديسون والتيار المتردد لتسلا حليف وستنكهاوس.
عرف إديسون منذ البداية ان حربه خاسرة، لكنه اعتمد على نفوذه الكبير وموارده المالية الضخمة فبدأ حملة إعلامية كبيرة ضد تجارب تسلا، وبدأ بتصوير هذا الرجل على أنه أجنبي شرير يريد استغلال المجتمع الأميركي وخداعه بالتيار المتناوب الذي "يسبب طفرات وتشوهات تجعلهم يموتون بألم وبطء" لهذا السبب جعله يقترح استخدامه في الاعدامات لكي يربط بين الموت والتيار المتناوب، ونشر أخباراً كاذبة مفادها أن مئات الأشخاص أصيبوا بأمراض تعود أسبابها إلى التيار المتناوب.
حاول ترهيب الناس من خطورة التيار المتناوب وقام بتجارب لصعق الكلاب والقطط لإثبات خطورة التيار المتناوب، رد عليه تسيلا وقرر اجراء تجاربه للتيار المتناوب على نفسه وامام شخصيات موثوقة في ذلك الوقت.
في النهاية كانت السيادة للأفضل، فقد نجح "تيسلا" في جعل التيار المتناوب مقبولاً ومعتمداً كنظام للطاقة الكهربائية على مستوى العالم، ثم تعاون مع "ويستنغهاوس" بإنارة معرض "شيكاغو" الدولي، وحصل على عقد لبناء محطة كهرومائية على شلالات "نياجرا" للطاقة الهيدروكهربائية وهي اول محطة كهروماية في تاريخ البشرية، وشيد أنظمة للتيار المتناوب في مناجم “كولورادو” للفضة، ومنذ عام 1889 هجر العالم تيار اديسون المستمر، واعتمدت دول العالم جميعها على تيار تسلا المتردد.
ما نفهمه
بقدر التغيير الثوري الذي احدثه إديسون في مجالات عدة بينها الكهرباء والمصابيح المتوهجة لكنه تحول الى رجل احتكاري يريد إيقاف عجلة التطور، فبعد ان كان شعلة للتقدم بات حجر عثرة، جاء تيسلا ليمثل الرجل الذي يقف ضد التيار ليس تيار إديسون وحسب بل تيار القطيع الذي يخشى مواجهة الأفكار الخاطئة لان من يتبنونها يتمتعون بالمكانة والمال، نعم انه تيسلا ذلك الانسان الذي قدم صورة للمخترع العظيم والرجل الثوري الذي لم يقف عند عتبة التقديس الاعمى للمخترعين، بل قال كلمته رغم الشهرة التي تمتع بها إديسون في اكثر لحظات ازدهاره وجبروته.
اثبت تيسلا ان الرجال الثوريون مثل إديسون غالبا ما يرتكبون أخطاء فظيعة حالهم حال أي انسان اخر، ومن واجب الاخرين تصحيح هذه الأخطاء قبل ان تتحول الى تقاليد راسخة، ولو بقي تسلا يقدس تيار اديسون لاحتاج العالم اليوم الى مئات الالاف من المحطات الكهربائية، لكنه كان مؤمنا بمحدودية قدرات الانسان حتى وان كان بمستوى إديسون ورسخ فكرة الثورة الشاملة ضد الثورة المحدودة.
بدون نقد وبدون منافسة لا يوجد تطور.
اضف تعليق