q
جميع المعاملات الدولية والتحركات المختلفة يجب ان تتم وفق المصلحة العامة للبلد اللاعب في الاحداث، وعلى رئيس الحكومة العراقية ان يستثمر هذه الظروف لمنفعة العراق واستعادة عافيته التي فقدها منذ سنوات طوال، لم نعرف نهاية هذه الجولة المرتقبة لرئيس الحكومة لكنها بالتأكيد تصب في مصلحة العراق بشكل أساسي...

استقبلت العاصمة الإيرانية طهران رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بعد ان كان من المقرر ان تكون الوجهة الثانية اصبحت الأولى بسبب وعكة صحية تعرض لها ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز قبل موعد السفر بساعات تم التأجيل.

الزيارة التي جاءت بدعوة رسمية من قبل الحكومة الإيرانية جاءت لتقليل التذمر الذي حصل بين الاوساط الشعبية العراقية نتيجة لمواقف الحكومة الإيرانية من القضايا المتعلقة بالداخل العراقي، اذ تولدت نقمة جماهيرية واسعة ضد النفوذ الإيراني في البلاد، وتبين ذلك بشكل كبير خلال الانتفاضة الشعبية التي حدثت في أواخر اكتوبر من عام 2019، الذي شهد متغيرات كثيرة تطرقنا لها في مقال سابق.

وللزيارة ابعاد وانعكاسات اخرى يمكن تلمسها بصورة واضحة من قبل اي مراقب للأحداث ومتغيراتها في الفترة الاخيرة، اذ يعد العراق محور أساسي من محاور الاستقرار في المنطقة، ويلعب دورا مهما بعملية استقرارها وعلى مختلف المستويات السياسي والاقتصادي والأمني.

كما يمكن ان تبرهن هذه الجولة حرص العراق على ديمومة مكانته بايجاد حالة من التوازن في العلاقات الدولية، لا سيما بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية من جهة والجمهورية الإسلامية من جهة اخرى، التي اتسمت علاقتهما بالتوتر في السنوات الست الاخيرة، نتيجة التدخل الإيراني بالشأن العراقي ووقوفها الى جانب القوات العراقية بعمليات تحرير المدن من سطوة داعش الإرهابي.

هذا الدور أزعج حكومة البيت الأبيض وصار جل اهتمامها تقليل هذا النفوذ الذي اخذ بالتزايد تدريجيا، ومن اجل هذا بدأت تتدخل في عملية اختيار رئيس الحكومة لضمان اختيار شخصية غير منحازة الى المحور الإيراني والاقتراب من رؤيتها.

وطبقا لهذا المبدأ وتطبيقا له يتضح موقفها من الرئيس المختار عبر حجم استعدادها لدعمه في حصر السلاح بيد الدولة ومحاسبة الخارجين عن غطاء القانون، والمقصود هنا الفصائل الولائية التي تأخذ اوامرها من خارج الحدود وليس من داخلها، وتقوم ببعض الاحيان توجيه ضربات الى أماكن تواجد تلك القوات في مناطق تواجدها وكذلك موظفي بعض السفارات الأجنبية.

بقى الحال يسير بهذه الصورة لحين تولي مصطفى الكاظمي منصب رئاسة الحكومة، الذي يتهمه البعض على انه اليد التي تنفذ الإرادة الأمريكية في العراق، ففي اولى أيام الاختيار أطلقت الجهات الموالية حملة تسقيطية ضد الكاظمي؛ ذلك كونها تعرف مدى قربه من طرف النزاع امريكا.

الكاظمي التزم بتطبيق اول تعهداته التي قطعها على نفسه في يومه الأول من التكليف، وأخذ يحاصر ويقيد حركات المجموعات التي تمارس تحركاتها خارج أوامر القائد العام للقوات المسلحة، وبالفعل تم ذلك حين امر جهاز مكافحة الإرهاب باعتقال عدد من عناصر كتائب حزب الله في العراق.

الدعم الذي حصل عليه الكاظمي جعله يتحرك بأرتياح اكبر ممن سبقه، وهذه الحرية فسرتها ايران على انها اولى الخطوات للتقليل من نفوذها بالعراق، وقد يكون لتوجيه هذه الدعوة مآرب اخرى، من بينها هو تذكير رئيس الحكومة العراقية بالدور الإيراني إبان عملية التحرير الاخيرة.

وكذلك التأكيد على الروابط التاريخية بين البلدين الى جانب الدينية منها، بينما وجدنا الجانب الإيراني يؤكد على استمرار دعمه للعراق في حربه ضد الإرهاب، فضلا عن المحافظة على مراقبة الحدود الممتدة بين البلدين لأكثر من الف واربعمئة كم، ما يعني الحفاظ الاستقرار الداخلي بصورة نسبية.

ويمكن ايضا ان تفسر ايران اهتمام الكاظمي بمسألة النوافذ الحدودية بصورة عامة نابع من توصية أمريكية، لزيادة الخناق على ايران التي استخدمت العراق ممرا للعبور من خلاله الى الدول التي تتمتع فيها بنفوذ كبير كسوريا ومن ثم لبنان.

ومن المحتمل ان تكون احدى وظائف هذا التحرك هو تقييد النشاط الاقتصادي مع ايران التي حولت العراق الى سوق مهم بالنسبة لمنتجاتها المختلفة، وهي فعلا نجحت بذلك وأصبح العراق مصرفا جيدا لسلعها.

انخفاض سعر النفط وما فرضه على العراق من تدهور واضح في الجوانب الاقتصادية، دفع برئيس الحكومة لتقوية اواصر العلاقات مع الغريمين لكي يضمن وقوفهما الى جانبه في مرحتله الحرجة هذه.

ومن الممكن ان يتم توظيف هذه الزيارات الثلاث لإطفاء فتيل النزاع، وتقليل حدة الصراع المنطقي، اذا لا يمكن ان تستقر الأوضاع مالم يكن هنالك تفاهم وحوار دولي يخدم الدول بصورة عامة ودول المنطقة على وجه الخصوص.

جميع المعاملات الدولية والتحركات المختلفة يجب ان تتم وفق المصلحة العامة للبلد اللاعب في الاحداث، وعلى رئيس الحكومة العراقية ان يستثمر هذه الظروف لمنفعة العراق واستعادة عافيته التي فقدها منذ سنوات طوال.

لم نعرف نهاية هذه الجولة المرتقبة لرئيس الحكومة لكنها بالتأكيد تصب في مصلحة العراق بشكل أساسي، فهي من المفترض ان تتماشى مع مقولة او مبدأ العراق أولا، وبالتالي سيعود اسم العراق براقا في المحافل الدولية.

اضف تعليق