منذ سنوات ونسمع ان العملية السياسية تسير وفق المحاصصة بين الكتل السياسية، ويتم توزيع المناصب وفق التوافقات بين الشركاء في الأحزاب المتنفذة منذ سبعة عشر عاما ولغاية الآن، بينما يركن من لم يحصل على حصته من التقسيم الى ركن المعارضة ويعلن نفسه وكيلا حقيقا عن الشعب المظلوم...
من اهم التحولات التي حصلت في العراق بعد العام 2003 هو تغيير نظام الحكم من الشمولي الى الديمقراطي، اذ تنص المادة الأولى من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 أنّ «جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي.
وفق هذه المادة فان العراق فيه سلطتين، تشريعية وأخرى تنفيذية، التشريعية هي البرلمانية، التي تشرع القوانين وتصوت عليها وتدفعها بعد ذلك الى السلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة ووزاراتها التي تدير البلد من امنية وخدمية وصحية واقتصادية إلخ من المؤسسات الحكومية الأخرى.
منذ سنوات ونسمع ان العملية السياسية تسير وفق المحاصصة بين الكتل السياسية، ويتم توزيع المناصب وفق التوافقات بين الشركاء في الأحزاب المتنفذة منذ سبعة عشر عاما ولغاية الآن، بينما يركن من لم يحصل على حصته من التقسيم الى ركن المعارضة ويعلن نفسه وكيلا حقيقا عن الشعب المظلوم الذي لم ينتخب ممثليه الحقيقيين.
من الغريب في العراق هو ان الجبهة المعارضة لم تعرف ما حقيقة المعارضة، وماهي الخطوط التي من المفترض السير بها لضمان تحقيق مطالب الشعب والوصول الى تطلعاتهم، فهم لا يزالون يحلمون بعدم انقطاع التيار الكهربائي.
ويمتد حلمهم ليشمل امنية الحصول على فرصة عمل تليق بالخريج وتتماشى مع الاختصاص الذي تخرج فيه، فهذه الكتل وبعد افلاسها كشرت عن انيابها وأصبحت تكيل الاتهامات لشركاء الامس وخصماء اليوم.
ومع ذلك فان المفارقة لا تزال قائمة، فهم في الوقت الذي يضعون أنفسهم موضوع المعارض، نجدهم يتمتعون بالمناصب الحكومية الرفيعة والدرجات الخاصة، اذ يضعون قدما في الحكومة وأخرى بجانب المعارضة، والهدف الأساس من ذلك هو لكسب تعاطف الجمهور وخلق رأي عام مؤيد لهم والحصول على أصوات اكثر في الانتخابات البرلمانية المتكررة بشكل دوري.
المعارضة البرلمانية من الأشياء الضرورية في عمل الحكومات، بل هي ركن أساسي من اركان تدعيم اداء الحكومة وتصويب الخطأ فيه تحقيقا لمصلحة الدولة والشعب بصورة عامة، لكن البعض يعتبر هذا الدور من الأدوار السلبية للكتل البرلمانية، في العموم لا توجد اشكالية حول هذا المبدأ.
لكن المشكلة تكمن عندما يُجير هذا الحق في تحقيق مكتسبات خاصة لحزب او لجهة معينة، كأن يكون الحصول على مناصب حكومية لم يكن الحصول عليها سهلا لو لا هذه الالتفافة، ففي جميع البلدان ان مهمة المعارضة السياسية هي فضح الأخطاء في الاداء الحكومي والتمهيد للحصول على أغلبية او استحقاق انتخابي.
ان الداء المزمن الذي تعاني منه الحكومة العراقية هو الابتعاد بصورة كبيرة عن المعايير الديمقراطية في إدارة الدولة، فتارة تنادي بضرورة احترام الدستور والرجوع اليه عند اختلاف وجهات النظر، وتارة اخرى نجد ذات الكتل السياسية تتجاوز عليه ولم تلتزم ببنوده للخروج من الأزمات التي تضرب مفاصل العملية السياسية.
وعوضا عن ذلك فان الأحزاب السياسية ذهبت باتجاه النظام التوافقي الذي حمل البلد ومؤسساته ما لا يطيق نتيجة الأزمات المتراكمة والحلول الترقيعية، التي لم تتعدى دور المسكن الذي يعطى لمن يشكوا من الم لا يمكن تحمله، وبعد ذلك يذهب الألم لمدة معينة لكن اصل المشكلة لا يزال قائما ويعمل على تفاقمها بصورة دائمة.
مؤخرا أخذت الجهات السياسية تعرف جيدا مدى فاعلية المعارضة السياسية في النظام الديمقراطي، لكنها في ذات الوقت لديها قصور واضح، بماهية المعارضة وكيف يجب ان تكون، فهي لا تزال تعتمد في أساليب المعارضة على الجوانب النظرية بعيدا الى حد ما عن المصاديق التطبيقية، وبذلك تكون المعارضة فاقدة لأهميتها او للغرض الذي قامت من اجله.
نحن اليوم بأمس الحاجة الى انبثاق قوى سياسية جديدة، تأخذ على عاتقها مواصلة المسير في طريق المعارضة السياسية، بعيدا عن التأثيرات والضغوطات الجانبية.
هذه المعارضة لن تنجح مالم تكن قد وضعت آلية جديدة تختلف اختلافا جذريا عن الطرق التي اُتبعت في إدارة المؤسسات طيلة السنوات المنصرمة، مع مراعاة استثمار الطاقات البشرية والمادية التي يمتلكها البلد بصورة استثنائية من بين البلدان الأخرى.
اضف تعليق