ما حصل ليلة ٢٥/٢٦ حزيران من قيام قوة من جهاز مكافحة الإرهاب باعتقال خلية متهمة بإطلاق الصواريخ على مطار بغداد والسفارة الأمريكية أمر محتوم ومتوقع لكنه لا يعني بالضرورة مواجهة شاملة بين الحكومة ممثلة برئيس الوزراء وفريقه وكل الفصائل المسلحة التي باتت تطلق على نفسها فصائل المقاومة...
د. حميد مسلم الطرفي
ما حصل ليلة ٢٥/٢٦ حزيران من قيام قوة من جهاز مكافحة الإرهاب باعتقال خلية متهمة بإطلاق الصواريخ على مطار بغداد والسفارة الأمريكية أمر محتوم ومتوقع لكنه لا يعني بالضرورة مواجهة شاملة بين الحكومة ممثلة برئيس الوزراء وفريقه وكل الفصائل المسلحة التي باتت تطلق على نفسها (فصائل المقاومة) لأن ذلك لايصب بمصلحة الطرفين في الظروف الحالية.
الحكومة العراقية برئاسة الكاظمي بأمس الحاجة اليوم إلى الدعم الدولي وبالأخص الدعم الأمريكي لما تمتلكه أمريكا من أوراق ضغط اقتصادية على العراق، واذا كانت دول ذات أنظمة سياسية متماسكة وقوية كايران وفنزويلا لازالت صامدة بوجه العقوبات الامريكية فإن ذلك لا ينطبق على العراق بظروفه الحالية، هذا التصور لدى الحكومة العراقية يدفعها بقوة لأن تثبت للجانب الأمريكي نيتها في الحد من نفوذ المسلحين من تيار المقاومة ومواجهتهم، وهذه العملية رسالة (حسن نية من الحكومة) إلى الجانب الأمريكي بهذا الغرض.
الكاظمي يدرك تماماً إن اعلان مواجهة شاملة مع فكر المقاومة وسلاحها في العراق سيوسع الجبهة فهناك قطاع واسع من الحشد الشعبي، وجماهيره، سيقفون بوجهه وسيصطفون بجانب الفصائل خاصةً وان التهمة الرئيسية للفصائل هي مقاومة الاحتلال الامريكي واخراج قواته من العراق، وهذا الخيار يمتلك غطاء رسمي بقرار البرلمان العراقي في كانون الثاني الماضي القاضي باخراج تلك القوات وسائر القوات الاجنبية من العراق وإن حكومة الكاظمي ما أبصرت النور إلا بعد تضمين منهاجها الحكومي فقرة بشأن إخراج القوات الامريكية من العراق.
وفي مشهد البارحة وخروج سيارات مدنية وهي تضم موظفين رسميين ومسلحين وتوجههم لمقر جهاز مكافحة الارهاب رسالة تحذيرية إلى الكاظمي بالتأني وأن لا يذهب بعيداً في المواجهة.
الفصائل من جانبها لا تتمتع بتأييد شعبي واسع بشأن نهجها المسلح وعمليات اطلاق صواريخها وهي تختلف من حيث التوقيتات بين من يرى اعطاء فرصة كافية للحكومة عبر التفاوض وبين من يرى ضرورة الضغط العسكري لكي تصل الرسالة الى المفاوض الأمريكي بوضوح. كما أن عامة الشعب العراقي يقف مع خيار هيبة الدولة وفرض القانون وهي خيارات تحضى بتأييد المرجعية الدينية ايضاً، خاصةً وان المفاوضات بشأن اخراج القوات الامريكية قد بدأت للتو بين الحكومة والجانب الأمريكي.
من جانبها فإن الفصائل المقاومة يهمها جداً أن تحتفظ بحكومة عراقية مستقرة تعمل تحت ظلها بهدوء، فالمواجهة بينها وبين الحكومة تستنزف طاقاتها وتحولها إلى مليشيات خارجة عن القانون، تخسر به تعاطفها الجماهيري، فهي أي فصائل المقاومة لم تصل بعد إلى فرض واقع سياسي جديد قائم على معادلة (حكومة، جيش، مقاومة).
الطرفان إذن ليسا بوارد التصعيد والمواجهة الشاملة، بيان القيادة العامة للعمليات المشتركة في ٢٦/٦/٢٠٢٠ كان متوازناً وذكر القضاء في أكثر من مكان كونه الجهة الوحيدة التي تفصل في امر من تم القاء القبض عليهم، لكن ذلك لا يمنع من أن كلا من الحكومة والفصائل سيسعى في قابل الأيام لحشد أنصاره ومؤيديه.
تجارب العراقيين بعد ٢٠٠٣ وحتى الآن أثبتت أن الحكومة أقوى في بسط نفوذها وقوة سلطانها في المواجهات المسلحة مهما كان عدد المسلحين وأنصارهم فهي من تملك المال وتحظى بالتأييد الرسمي والشعبي لكن ذلك يكلف الدولة العراقية خسائر فادحة بالارواح والمعدات، قد تكون المفاوضات السياسية والحوارات العقلانية كفيلة بتجنبها وايجاد مشتركات تقوم عليها الدولة العراقية وفق معادلات استثنائية يحكمها ظرف العراق والإقليم الذي نعيشه اليوم، الطرفان بحاجة إلى ضبط النفس وعدم الانسياق وراء صقور المواجهة واتباع منهج العقل والحكمة في حل اختلاف الرؤى والحذر من التدخلات الخارجية التي لا تريد للعراق الخير.
اضف تعليق