وإذا جازفت السعودية ورفعت كميات إنتاجها فان هذا الأمر بالتأكيد سيزعج ترامب الذي يبحث عن مكتسب يمكنه البقاء لولاية ثانية، وبالفعل فانه يتعامل مع الطرف السعودي على هذا الأساس ويتبع من اجل تحقيق ذلك شتى أساليب الترغيب والترهيب وكذلك الابتزاز، وهو ما قد يؤجج حرب نفطية مستعرة...
انعم الله على منطقة الخليج العربي بنعم كثيرة جعل منها منطقة تتوجه اليها الأنظار ومحط إعجاب واهتمام من قبل دول العالم برمته، لاسيما العظمى منها، فأخذت تتكالب لبسط نفوذها عليه وتقاسم خيراته والتمتع بها وحرمان سكانه الاصليين من الشعور بالطمأنينة على أراضيه.
مصدر الأهمية في المنطقة العربية هو النفط الذي يجعل مالكه يعاني من صعوبة الإفلات من قبضة دول اوروبا التي تحتاج الى النفط كمادة أساسية في صناعاتها المختلفة؛ ذلك من اجل الحفاظ على ديمومتها وضمان الحصول على المادة الخام دون عناء من البلدان المنتجة.
من بين الدول العربية الأكثر انتاجا هي المملكة العربية السعودية، التي وضعتها الولايات المتحدة في دائرة الاهتمام وجعلتها بمثابة الشرطي على البلدان العربية الأخرى وطلبت من الجميع الانضمام تحت عباءتها والانقياد لرأيها كزعيم أوحد في المنطقة.
فالحكام العرب بطبيعة الحال يخشون على مراكزهم ويسعون للحفاظ على سلطانهم وسطوتهم على الرعية، واستخدموا من اجل ذلك النفط كدرع لوقايتهم، والجيش الجرار للوقوف بوجه التحديات والتقلبات السياسية التي حصلت في الكثير من الدول العربية.
ولذلك ذهبت الأنظمة العربية وبالأخص في المملكة لتقوية علاقتها مع مصادر القوة في العالم والمهيمن على نشاطاته، اذ تم اختيار الولايات المتحدة لهذه المهمة وهي الحماية الدائمة من قبلها لمن يتولى عرش المملكة السعودية، يقابل ذلك استحصال النفط دون قيد او شرط من قبل الدول المنتجة وتحديدا الاخيرة، وطيلة عقود فان الوضع يسير على هذا المنوال دون اي اعتراض من قبل المستفيد الثاني وصاحب الثروة الطائلة.
لكن الذي حصل واربك الموقف هو النزول الحاد بسعر النفط العالمي وكذلك بروز النفط الصخري كمنافس او بديل في طور النشوء لم يتمكن بعد من الوقوف الى جانب النفط السعودي، فعندما يكون النفط مقابل حماية الملك فان من الممكن ان تنتهي الوصاية وتبقى السعودية كمن فقد ابيه وأخذت تتلاقفه امواج الحيرة وفقدان الرشاد.
بوادر التخلي الامريكي عن النفط السعودي أخذت بالظهور عندما بدأ النفط الصخري بالازدهار وبالنتيجة سيكون اعتماد الولايات المتحدة للسعودية ونفطها منخفض مقارنة بما مضى من الوقت، الى جانب كونه عامل منافس جديد في الأسواق التجارية النفطية العالمية، وقد يكون ذلك مصدر ضعف غير متوقع للسعودية التي تتمتع بمكانة لا يستهان بها من بين الدول الكبرى.
هذا الحال فرض على المملكة العربية الدخول بمنطقة الخطر المتمثل بمواجهة الولايات المتحدة وما تحتاج اليه من كميات انتاج كبيرة لخلق التوازن بمزانيتها التي تعتمد بصورة كبيرة على النفط ولم تتمكن كغيرها من الدول إيجاد البديل ليساهم في الدخل القومي للبلد.
واذا جازفت السعودية ورفعت كميات إنتاجها فان هذا الأمر بالتأكيد سيزعج ترامب الذي يبحث عن مكتسب يمكنه البقاء لولاية ثانية، وبالفعل فانه يتعامل مع الطرف السعودي على هذا الأساس ويتبع من اجل تحقيق ذلك شتى أساليب الترغيب والترهيب وكذلك الابتزاز.
من المعروف ان العلاقات القائمة بين الدول تستند وبشكل كبير على مصالحها، وحين نرى دول تجمعهم صداقة حميمة في وقت سابق، نجدهم اليوم يتراشقون بالتصريحات ويتبنون المواقف العدائية، وهذا بالتأكيد يجسد مقولة في السياسة لا عداوات ولا صداقات دائمة المصلحة هي من تتحكم بطبيعة الامور.
فالحماية تجعل الدولة المحمية تقبع تحت ظلم ورحمة الدولة الحامية، ما يؤدي الى فقد المملكة لقرارها السياسي وكذلك صعوبة التحكم بالموارد الاقتصادية، اذا لم تستطع من منع تدفق النفط للولايات المتحدة، وهنا يمكن ان تكون المراقبة مقابل استمرار هذا التدفق.
وبما ان العلماء حددوا عمرا افتراضيا لنضوب النفط، فان هذا العمر يمكن ان يكون هو العمر ذاته لمسألة استمرار الرعاية او الوقوف الامريكي الى جانب النظام السعودي الذي لم يتمكن من البقاء طيلة هذه الفترة دون دعم مباشر من قبل رؤساء الولايات المتحدة، ومن المتوقع ايضا قرب وقوع هذا الأمر مع تزايد الاهتمام بتطوير صناعة النفط الصخري.
النظام الملكي السعودي يقف في الوقت الحالي على ركائز باتت تضعف يوما بعد آخر، فمصدر القوة التي يتمتع بها قادمة من قوة الإنتاج النفطي، اما اذا تلاشى هذا الخام عن الوجود فمن الممكن ان يتداعى البناء وتُهز أركانه وتذهب هيبته.
ومن هنا على المتصدين للأمر ان يعوا مدى أهمية ايجاد الخطط البديلة التي تضمن بقاءهم في السلطة اكثر عدد من السنوات بعد نضوب النفط، اذ لا يزال أمامهم متسع من الوقت والعمل على استثماره بتحصين قلاع المملكة وعدم السماح لرياح التغيير ان تهب بأروقتها مثلما فعلت قبل ذلك إبان الربيع العربي.
اضف تعليق