تداعيات فيروس كورونا على الطفولة، وكيفية ضمان حقوقهم المكفولة في المواثيق الدولية، وهو ما يفرض علينا الوقوف بشيء من التدقيق على آخر الاحصائيات التي تبرز حقيقة الوضع الانساني لهذه الشريحة خاصة في المناطق الأكثر فقرا في العالم، وحدود الاستجابة العالمية لدرء هذا الصدع، بل هذا...

منذ الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل 1989 -والتي دخلت حيز النفاذ في 1990- أصبح للطفل جملة واسعة من الحقوق على رأسها الحق في الحياة، والحماية من كل أشكال العنف، والاستغلال من خلال توفير الرعاية الاجتماعية، والصحية والنفسية، وضمان حقه في التعليم.

لكن عندما تؤثر المخاطر، وعدم اليقين على العالم، قد يتم إهمال رفاهية الأشخاص الضعفاء خاصة في الأزمات،، فاحتواء التهديدات الجديدة التي يشكلها الفيروس التاجي اليوم على الأطفال في البيئات الهشة أمر بالغ الأهمية، وقد حان الوقت للعالم لإنهاء الإهمال الذي لا يمكن الدفاع عنه في ظل هذا التشدق بأنموذج الحضارة الغربية والعولمة، فالأزمة البيولوجية أزمة غير انتقائية تتجاوز الحدود الاجتماعية، والحدود الوطنية، وقدرة الدول على ضمان استجابة شاملة، ولا يمكن للإحصاءات أن تلتقط المآسي البشرية في صميم هذه الحالة الطارئة.

لذا نسلط الضوء في هذا المقال بشكل مستفيض على تداعيات فيروس كورونا على الطفولة، وكيفية ضمان حقوقهم المكفولة في المواثيق الدولية، وهو ما يفرض علينا الوقوف بشيء من التدقيق على آخر الاحصائيات التي تبرز حقيقة الوضع الانساني لهذه الشريحة خاصة في المناطق الأكثر فقرا في العالم، وحدود الاستجابة العالمية لدرء هذا الصدع، بل هذا الاستنزاف المتواصل للحقوق ميدانيا، والتناقض الذي يقوض بريق هذه القوانين والمواثيق -تلميعا لذاتها- بين اشكالية سن القانون وتطبيقه التي أخذت تحيق بضعف المنظومة القانونية الدولية، وهنا يجدر بنا طرح سؤال في غاية الأهمية: كيف يمكن حماية الأطفال الأكثر ضعفا من تأثير الفيروس التاجي في العالم؟

قد يكون اقتراح الحجر المنزلي، وتخزين الطعام استجابة لتفشي الفيروس التاجي خطوة إيجابية عبر العالم، ولكنها قد تفشل أيضًا في مراعاة أضعف فئات المجتمع، فالكثير من الفئات لا تتمتع في الاقتصاد غير الرسمي برفاهية البقاء في المنزل دون إجازة مرضية مدفوعة الأجر، فغالبًا ما يفتقر هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون في فقر، أو بالقرب منه إلى أموال تسد حاجياتهم، كما لا يمكنهم تخزين الأغذية بسهولة، وهذا طبعا يؤدي إلى زيادة معدلات الجوع، وسوء التغذية، وتفاقم الأمراض، وغير ذلك من أشكال الصدمات المتعلقة بالصحة إلى زيادة التعرض للفيروس التاجي الذي يسهم في حلقة مفرغة من المرض، والعوز والوفاة، وهو ما ينعكس سلبا على الأسر والأطفال، اذ يمكن للفقر أن يؤجج العدوى التي يمكن أن تخلق أو تعمق الفقر.

بطبيعة الحال يشير كل هذا إلى الحاجة الماسة إلى وضع الاستجابة للفيروس التاجي ضمن إستراتيجيات تنمية أوسع نطاقا، ومستنيرة للمخاطر بعيدة عن النرجسية الأنانية للبشر لضمان إدراج من هم أبعد من ذلك، كالذين قد يواجهون أسوأ آثار الوباء في الأشهر المقبلة على رأسهم الأطفال، لأن الفيروس سيكون مصدرا آخر للفقر، ويعزز العوامل القائمة مما يحد بدوره من قدرة الأسر الضعيفة على الهروب من الفقر، ومن هنا اتسمت الأسابيع الأولى لجائحة كورونا باستجابة متباينة على الصعيد العالمي، فحسب الاحصائيات المقدمة من قبل منظمة الصحة العالمية تقول أن أكثر من 117 مليون طفل سيخسرون التطعيمات ضد الحصبة في الأسابيع المقبلة، حيث تجبر الفيروسات التاجية عشرات الدول على إلغاء حملات التحصين ضد المرض الذي يمكن الوقاية منه.

وقد ذكرت منظمة الصحة العالمية أيضا أن هناك خطر معتدل من الانتشار الإقليمي محذرة من أن الاضطرابات المتعلقة بالفيروسات التاجية سوف تزيد من فرص تفشي المرض، ومن المتوقع أيضًا أن ترتفع الأمراض الناجمة عن أمراض أخرى يمكن الوقاية منها باللقاحات مثل شلل الأطفال والكوليرا في الأسابيع المقبلة، حيث تعوق قيود الفيروسات التاجية حملات التحصين، بالموازاة نصح مجلس المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال البلدان في 2 أفريل الماضي بتأجيل حملات التطعيم ضد شلل الأطفال حتى شهر جويلية على الأقل، وقال المجلس في بيان له "نتخذ هذا القرار بأسف عميق مع العلم أن المزيد من الأطفال قد يصابون بالشلل بسبب شلل الأطفال"، كما حذرت الأمم المتحدة وخبراء الصحة العالمية أيضا من أن البلدان الفقيرة في جميع أنحاء العالم تضطر إلى وقف برامج التحصين الشامل للحد من خطر انتشار Covid-19، بالمقابل يحذر تقرير موجز من صندوق الأمم المتحدة للسكان من أن تحويل الموارد من الصحة الجنسية والإنجابية يمكن أن يؤجج زيادة مضاعفات الحمل، ووفيات الأمهات والإجهاض غير الآمن.

كما حذر قادة الصحة العامة الدوليون من أن أكثر من 100 مليون طفل معرضون لخطر الإصابة بالحصبة لأن الدول في جميع أنحاء العالم تعلق برامج التحصين الوطنية من أجل الحد من خطر الإصابة بالفيروس التاجي، فحتى الآن قامت 24 دولة منخفضة، ومتوسطة الدخل بما في ذلك المكسيك ونيجيريا وكمبوديا بإيقاف هذه البرامج مؤقتًا أو تأجيلها وفقًا لمبادرة الحصبة والحصبة الألمانية -وهي مجموعة تضم أعضائها اليونيسف والصليب الأحمر الأمريكي، ومنظمة الصحة العالمية ومؤسسة الأمم المتحدة، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها- على عكس الدول الأكثر ثراء يقوم الآباء عادة بتعيين مواعيد لمتابعة جدول اللقاحات الروتيني في العيادات، أو مكاتب الأطفال الخاصة.

وبالرغم من أنه لا يزال عدد حالات COVID-19 المبلغ عنها في الأطفال منخفضًا - من بين أكثر من 44000 حالة مؤكدة من الصين، كان 416 فقط (أقل من 1 في المائة) يبلغون تسع سنوات أو أقل- إلا أن أحد الشواغل الرئيسية التي تشغل الصحة العالمية هو أن البلدان الأخرى، ولا سيما الدول النامية تفتقر إلى البنية التحتية، والموارد، وبالتالي فهي عرضة لاستيراد المرض مايعني مزيدا من الخطر على الأطفال، وبهذا الصدد يعترف الدكتور روبين ناندي رئيس التحصين في اليونيسف بأن إيجاد التوازن بين الوقاية من انتشار Covid-19، والمرض الناجم عن الفيروس التاجي، والأمراض التي يمكن الوقاية منها مثل الحصبة كانت حساسة وصعبة، وأردف قائلا "في سعينا لتطعيم الأطفال لا ينبغي أن نساهم في انتشار Covid-19 لكننا لا نريد بلدًا يتعافى من تفشي المرض ليتعامل بعد ذلك مع تفشي الحصبة أو الخناق".

أما قبل تفشي وباء فيروس كورونا، كانت الحصبة تعاود الظهور بالفعل في بعض الأماكن، ففي عام 2017، حسب احصائيات منظمة الصحة العالمية كان هناك 7585900 حالة حصبة مقدرة و 124000 حالة وفاة، ومع حلول عام 2018، وهو العام الأخير الذي تم فيه تجميع الأرقام الدولية، كان هناك 9769400 حالة إصابة بالحصبة و 142300 حالة وفاة مرتبطة بها، أما في عام 2019 أبلغت الولايات المتحدة عن 1282 حالة إصابة بالحصبة، وهو أعلى مستوى لها منذ أكثر من 25 عامًا، رغم أن لقاح الحصبة متاح منذ أكثر من 50 عامًا، لذا تكافح بلدان مثل البرازيل وبنغلاديش وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان، ونيجيريا، وأوكرانيا، وكازاخستان تفشي مرض الحصبة، ومن بين الدول التي أجلت برامج التطعيم لديها هي بوليفيا، وتشاد، وتشيلي، وكولومبيا وجيبوتي، والجمهورية الدومينيكية، وإثيوبيا، وهندوراس، ولبنان، ونيبال، وباراغواي، والصومال، وجنوب السودان، وأوزبكستان.

اذن هنا يفضل أن نقول أن هناك حاجة ماسة إلى التنسيق العالمي لمنع هذه الأزمة الصحية من أن تصبح أزمة تتعلق بحقوق الطفل، اذ تمثل الاضطرابات التي يتعرض لها المجتمع تهديدا بشكل كبير على الأطفال من حيث سلامتهم ورفاههم، ومستقبلهم، لذلك تدعو اليونيسف إلى تحرك عالمي سريع من أجل الحفاظ على خدمات صحة الأم والرضيع، والطفل، وهذا يعني الاستمرار في تلبية الاحتياجات العاجلة التي يطرحها فيروس كورونا COVID-19 مع ضمان مواصلة التدخلات الصحية الحرجة مثل تمويل اللقاحات التي تضمن بقاء الأطفال، ونمائهم، وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من الآثار الاجتماعية، والاقتصادية لتفشي واستجابة لـ COVID-19، فإن عشرات الملايين من الأطفال الذين يعيشون بالفعل على حافة المشقة سيقعون في الفقر.

من زاوية أخرى حسب اليونيسيف في كل يوم دراسي يتناول نصف طلاب المدارس في العالم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وجبة مجانية أو مدعومة، هؤلاء الأطفال البالغ عددهم 310 مليون طفل وعائلاتهم تعد الوجبات المدرسية شريان الحياة لهم، ومع مواجهة عمليات إغلاق المدارس غير المسبوقة، وغير المتوقعة أثناء جائحة كورونا COVID-19 من الضروري ضمان استمرار تلبية الاحتياجات الغذائية لأطفال المدارس، و إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن حقهم في الغذاء سيعرض للخطر، وكأمثلة على ذلك نجد في الهند يتلقى ما يقرب من 100 مليون طفل غداء مجاني كل يوم دراسي- حسب احصائيات اليونيسيف- تقلل هذه الوجبات من نقص البروتين بنسبة 100٪ ونقص السعرات الحرارية بنسبة 30٪ ونقص الحديد بنسبة 10٪ أما في الولايات المتحدة الأمريكية يحصل الطلاب الذين يتناولون غداء مدرسي في إطار البرنامج الوطني للغداء المدرسي على أكثر من ثلث السعرات الحرارية اليومية من الطعام، والشراب المقدم في المدرسة، أما في المملكة المتحدة، أصبح الجوع في العطلات منتشرًا بشكل متزايد، حيث تشير التقديرات إلى أن 3 ملايين طفل معرضون لخطر الجوع في العطلات المدرسية.

وقد بلغ مؤشر "فقر التعلم" الصادر عن البنك الدولي النسبة المئوية للأطفال الذين لا يستطيعون القراءة، والفهم في سن العاشرة 53٪ من الأطفال في البلدان المنخفضة، والمتوسطة الدخل قبل بدء تفشي المرض، وحتما هذا الوباء لديه القدرة على تفاقم هذه النتائج أكثر من ذلك إذا لم يتصرف العالم بسرعة.

لذلك يمكن القول أن أزمة الفيروس التاجي تؤثر تأثيرا مباشرا على الأطفال من عدة نواحي حسب اليونيسف أهمها: خسائر في التعلم، وزيادة معدلات التسرب، و فقدان الأطفال لوجبتهم الأكثر أهمية في اليوم، علاوة على ذلك، فإن معظم البلدان لديها أنظمة تعليم غير متكافئة للغاية، وسوف يشعر الأطفال الفقراء بهذه الآثار السلبية بشكل غير متناسب.

وفي أحدث تقرير لليونيسيف 5 ماي 2020 بعنوان "ضائعون في ديارهم" أن 19 مليون طفل نازح سنة 2019 داخليا بسبب النزاعات، والعنف، وشرد 3.8 مليون بسبب الكوارث الطبيعية ثم جاءت جائحة كورونا لتفاقم الوضع، وحسب احصائيات اليونيسيف دائما يوجد 250 مليون طفل في العالم في مناطق نزاعات، ووسط هذا الكابوس قد يعني وقف اطلاق النار الفرق بين الحياة والموت لأن وقف اطلاق النار حماية للأطفال، حيث استطاع 11 بلدا وقف الأعمال العدائية استجابة لنداء الأمين العام للأمم المتحدة، أما بالنسبة لمراكز الاحتجاز، والسجون يتعرض فيها مئات الآلاف من الأطفال عبر العالم لخطر الاصابة بفيروس كورونا بسبب الاكتظاظ وهم معرضين للعنف والإهمال وضعف الرعاية، لذا تدعو اليونيسيف إلى إطلاق سراح هؤلاء الأطفال، ووقف عملية ادخال طفل جديد الى هذه المراكز.

فماذا عن وضعية الطفل في الدول العربية؟

حسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" فإن تفشي فيروس كورونا سيضاعف معاناة 25 مليون طفل في الشرق الأوسط، وشمالي إفريقيا، اذ يعيش في هذه المنطقة 25 مليون طفل محتاج، بمن فيهم اللاجئين والنازحين الذين اقتلع معظمهم من بيوتهم بسبب النزاعات المسلحة، والحروب في كل من سوريا واليمن والسودان وفلسطين، والعراق، وليبيا، وأكد بيان اليونيسيف أن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأممية لغرب آسيا (إسكوا) توقعت فقدان 1.7 مليون وظيفة في عام 2020 ما قد يزيد عدد فقراء المنطقة إلى 8 ملايين شخص، فيما رجحت يونيسف أن يكون نصفهم من الأطفال، لذا أطلقت يونيسف مناشدات للحصول على مبلغ 92.4 مليون دولار أمريكي كي تتمكن من مواصلة أنشطتها لدعم جهود مكافحة كورونا في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا.

بالمقابل صرحت كل من إيزابيل جوميز المدير العالمي للعمليات الإنسانية، ومنظمة الرؤية العالمية World Vision International "نحن على حافة كارثة ضخمة قد يبدو أننا موجودون بالفعل، لأن الكثير منا يكافح من أجل وضع رؤوسنا حول الواقع الجديد، لكننا لسنا كذلك، فأسوأ كابوس لي الآن هو ما يحدث عندما يسيطر هذا الفيروس على أكثر المناطق هشاشة، وضعفاً في عالمنا، وعندما يصطدم باللاجئين والأسر المشردة، والأطفال، والأسر الفقيرة في المناطق الحضرية الذين التقيت بهم كثيرًا خلال السنوات القليلة الماضية".

ومما لا شك فيه أن الدول العربية بشكل عام ليست بمنأى عن هذه التهديدات لأن اجراءات الحجر، وتوقف النشاط الاقتصادي، وتزايد معدلات البطالة سيؤدي لا محالة إلى اختيار مسار اللجوء إلى عمالة الأطفال، والزواج المبكر، والتسرب من المدرسة من أجل البقاء على قيد الحياة.

خلاصة القول تمثل هذه الأزمة تحديًا غير مسبوق، ونقطة فاصلة للاستجابة الإنسانية، وزيادة خطر التأثير ليس فقط على الأطفال، وإنما على الأجيال في المستقبل، وبالتالي الآن يجب علينا جميعا أكثر من أي وقت مضى، أن نقف معا في تضامن كمجتمع عالمي، من أجل القيام بكل ما يلزم لحماية الأطفال، والفئات الأكثر ضعفا في حقبة المعلوماتية، وضغوط العولمة، والايديولوجيات المتآكلة، وهيمنة الدلالات العائمة على المشهد الإنساني، لذا أعتبر من باب هذه التداعيات التي أسفرها الفيروس التاجي، وما يمكن أن يسفره مستقبلا أننا اليوم في حقبة تتضمن وفق طبيعتنا الانسانية الخوف من المجهول، كما يقودنا بديهيا الصراع من أجل البقاء إلى التفكير في مصير الانسانية، ولا يمكن الوقوف ضد الأخلاق الانسانية التي لامسها الكثير من اللبس، والغموض والشك، وهذا ما يجعلنا أمام حتمية احداث نقاش مستفيض بعيدا عن التشكيك والتقويض، والعدمية لنختم بقول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس في تقريره الأخير "نحن بعيدون عن وجود حزمة عالمية لمساعدة العالم النامي على تهيئة الظروف لقمع المرض ومعالجة العواقب الوخيمة على سكانه، فالمطلوب هو استجابة متعددة الأطراف شاملة ومنسقة تبلغ 10 في المائة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي العالمي".

* سامية بن يحي، باحثة أكاديمية متخصصة الإدارة الدولية-جامعة باتنة1/الجزائر
samia20171935@outlook.fr

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق