فما حدث في حرب إيران وإسرائيل الخاطفة يجسد إلى حد ما هذه الإستراتيجية، فإسرائيل في عدوانها على إيران كان هدفها الأول إسقاط النظام الإيراني وإحلال نظام عميل بدله، السيناريو الأسرع والأقل تكلفة، وهو الهدف الضمني الذي أكدنا عليه لهذه المناورة، من جهة جس النبض واختبار قوة الردع الإيرانية...
يصور لنا الكاتب الأمريكي زبيغنيو بريجنسكي في كتابه" رقعة الشطرنج الكبرى: الأولوية الأمريكية ومتطلباتها الجيوستراتيجية" The Grand Chessboard: American Primacy and Its Geostrategic Imperatives) 1997 العالم بوصفه رقعة شطرنج من خلال هذه الرقعة والاستراتيجية تُضمن السيطرة المطلقة لـ (و.م.أ) على العالم أطول فترة ممكنة.
فما حدث في حرب إيران وإسرائيل الخاطفة يجسد إلى حد ما هذه الإستراتيجية، فإسرائيل في عدوانها على إيران كان هدفها الأول إسقاط النظام الإيراني وإحلال نظام عميل بدله، السيناريو الأسرع والأقل تكلفة، وهو الهدف الضمني الذي أكدنا عليه لهذه المناورة، من جهة جس النبض واختبار قوة الردع الإيرانية وحلفائها الإقليميين وإعادة رسم الأدوار لمراكز الثقل في منطقة الشرق الأوسط.
ثم يليه تجريدها من برنامجها النووي، ووضع قواعد أمريكية تضمن أمن إسرائيل وتوسعها فهل تجسد ذلك؟
كانت النتيجة هجمة الصواريخ الإيرانية التي أحرجت الكيان الصهيوني، الذي بحث الخروج من المأزق عبر ضربات تكتيكية من قبل (و.م.أ) استهدفت المفاعلات النووية الإيرانية في صورة القضاء تماما على برنامج إيران النووي كما نقلتها عدسة ترامب للعالم، قابله رد إيراني معلوم يسَوَّقُ في مشهدٍ قيل أنه سيحفظ العمق الإقليمي الاستراتيجي لإيران عندما أطلقت صواريخها على قاعدة العديد الأمريكية في قطر.
السيناريو القادم في تقديرينا سيتحقق عبر هذه المسارات
أولا: تسريع المفاوضات والعمل على إيجاد صيغة تفاوضية تدفع الأطراف الثلاثة إلى إنهاء الحرب وكل أشكال التصعيد بشكل فوري وإرساء دعائم السلم في المنطقة طالما قبلت كل الأطراف بنتائج هذه الحرب وتحلت بالذكاء والعقلانية الواقعية التي تقوم عليها لعبة الشطرنج.
ثانيا: اذا لم تتفق الأطراف المعنية على شروط المفاوضات -ولا نجزم بشكل قطعي حدوث ذلك- حينها ستتجدد هذه المواجهة لأيام أو أسابيع أخرى وقد تشهد منحى تصاعدي.
فنحن على يقين أن (و.م.أ) تعلم أن إيران لا تمتلك القنبلة النووية وتدمير البرنامج النووي الإيراني ما هو إلا وجه العملة الظاهر لهذه الحرب في صورة لعبة اصطياد الملك وحصاره، فلا مصلحة لإسرائيل أو أمريكا في توسيع نطاق الحرب، إذ تعلَمَانِ أن حرب استنزاف طويلة الأمد في ضوء متغيرات جديدة ستنهك (و.م.أ)، وقد أثبتت الحروب الأمريكية السابقة ذلك -حرب أفغانستان مثالا- أما إسرائيل التي فشلت في القضاء على المقاومة في قطاع غزة، فلن تصمد أمام صواريخ إيران أسبوعا واحدا دون عون أمريكا و حلفائها ومن ثم سيتم الضغط على إيران للتفاوض وقبول الشروط التي تمليها (و.م.أ)، وهو ما يفسر تصريحات ترامب الأخيرة بعد إعلان وقف إطلاق النار بين الطرفين قائلا: أعتقد أن وقف إطلاق النار غير محدود، وسيستمر إلى الأبد”. وقال ”إنه يوم عظيم لأمريكا. إنه يوم عظيم للشرق الأوسط. أنا سعيد جدًا لأنني تمكنت من إنجاز هذه المهمة”. وأضاف ترامب أيضا أن الحرب انتهت تماما وأنه لا يعتقد أن إسرائيل وإيران ”ستطلقان النار على بعضهما البعض مرة أخرى”.
هل تنتهي اللعبة عند هذا الحد؟
طبعا لا إذ لا عودة إلى الوراء والظاهر أن المنطقة تسير نحو فرض شرق أوسط جديد يضمن أمن اسرائيل وتمددها الجغرافي وفق ترتيبات (و.م.أ) والكيان الصهيوني في لعبة تحاكي في نتائجها لعبة الدومينو game of dominoes "تدحرج وسقوط القطع" أي دول المنطقة على التًوالي.
يمكننا تحديد نتائج أولية لهذه الحرب على النحو الآتي:
- فشل المنظمات الدولية التي قد تنتهي إلى نوع من الموت السريري.
- انهيار قواعد النظام الدولي بشكل غير مسبوق، فهل نشهد فعليا ميلاد نظام دولي جديد متعدد الأقطاب على المدى القريب؟ وإن كانت بوادر تشكله قائمة فإن النظام الدولي الحالي أقرب إلى الفوضى منه إلى أي شيء آخر.
- لم يعد للتحالفات دور فعال يضمن استراتيجية الردع ويفرض ميزان القوة "محور روسيا الصين باكستان إيران.
- لم تعد الحروب تعطي وزنا للجيوش التقليدية، فحروب اليوم قائمة على التفوق التكنولوجي والذكاء الاصطناعي ما يسمى بحروب الجيل الخامسFifth Generation Warfare – 5GW، استخدام التكنولوجيا المتطورة والهجمات الإلكترونية وتلافي الخسائر البشرية عبر إدارة الحروب عن بعد.
- شلل تام للجامعة العربية ودولها تتراوح مواقفها مابين استنكار وتنديد أو تطبيع ومشاركة أو حتى حياد سلبي.
- تزايد خسائر إسرائيل المادية والمعنوية والإستراتيجية وتصاعد الهاجس الوجودي الذي يتربص بها.
- تفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران واحتمال تذبذب أسعار الطاقة العالمية.
- قد يتحقق وقف إطلاق النار مؤقت في غزة رغم تأكيد اسرائيل مضيها في الحرب على القطاع لكن ترتيب الداخل الإسرائيلي بعد الهجمات الايرانية سيفرض ذلك.
اضف تعليق