دفعت شبكة الطاقة الهشة وغير المتسقة لبنان لعقود من الزمان نحو التخبط والعجز في معالجة مشاكل الطاقة وتوليد الكهرباء، فكانت أحد الحلول الممكنة هي إدخال المزيد من تقنيات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية إلى الشبكة، لكن لا يزال مستقبل الطاقة المتجددة وقدرتها على إعادة تشكيل النظام السياسي...

لقد تتابعت العديد من الأزمات المتشابكة على مدى العقد الماضي على لبنان مما أوصله إلى نقطة الانهيار:

 أولها: الحرب الأهلية في سوريا منذ عام 2011 التي جلبت لهذا البلد الصغير مزيدا من اللاجئين، حيث تستضيف الدولة أكبر عدد من اللاجئين في العالم.

 ثانيها: الأزمة الاقتصادية الحادة والتي تفاقمت منذ جائحة كوفيد منذ 2019 كان أبرز نتائجها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، حيث تضاعف الفقر في لبنان أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي ليصل إلى أكثر من 49٪ من إجمالي السكان، وفقًا لتقرير البنك الدولي 2023، ثالثها: تداعيات انفجار مرفأ بيروت الذي تسبب في أضرار مادية كبيرة.

رابعها: الفساد الذي ينخر أركان الدولة، إذ يحتل لبنان المرتبة 150 من أصل 180 دولة في الفساد أفرز عنه في أكتوبر 2019 احتجاجات الشارع اللبناني إلى الشوارع والمطالبة باستقالة الحكومة.

خامسها: الحرب الاسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة وتبادل الهجمات بين حزب الله اللبناني وإسرائيل على حدود جنوب لبنان، فأي تفاقم للوضع واتساع الحرب حتما سيؤثر بشكل كبير على مستقبل الطاقة في المنطقة وبدرجة أكبر على لبنان وتزايد حدة الأزمة الاقتصادية، فوفقًا لشركة الطاقة الحكومية، فإن انقطاع للتيار الكهربائي في لبنان كان بسبب نقص زيت الغاز، والذي تفاقم بسبب زيادة القصف عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل.

لقد عانى لبنان من أشد فترات الركود الاقتصادي في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر وساهمت الأسباب السالفة الذكر -يضاف لها الحرب الأوكرانية- بشكل عميق في تفاقم انعدام الأمن الاقتصادي والهشاشة، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، وخاصة الوقود وهو الأمر الذي جعل الحكومة تتجه إلى تقليل توفر الكهرباء للدولة وفرض ضغوط إضافية على موردي المولدات الخاصة.

 بالمقابل دفعت شبكة الطاقة الهشة وغير المتسقة لبنان لعقود من الزمان نحو التخبط والعجز في معالجة مشاكل الطاقة وتوليد الكهرباء، فكانت أحد الحلول الممكنة هي إدخال المزيد من تقنيات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية إلى الشبكة، لكن لا يزال مستقبل الطاقة المتجددة وقدرتها على إعادة تشكيل النظام السياسي في لبنان بعيد التجسيد.

بهذا الصدد واجهت شركة كهرباء لبنان تحديات مع عدم كفاءة الشبكة الناجمة عن الصيانة غير الكافية، والنفقات التشغيلية المرتفعة عواقب بعيدة المدى على الشركات والأسر على حد سواء. 

ومع استمرار الأزمة في لبنان، تستمر مشاريع توليد الطاقة الخاصة على نطاق المرافق في العمل في ظروف فوضوية مدفوعة جزئيًا بمخاوف العملة، حيث في عامي 2022 و2023، استجابت شركة برايمسوث لبنان -وهي الشركة المسؤولة عن تشغيل وصيانة محطات الطاقة- لتوقف الحكومة المتكرر عن سداد المدفوعات باتخاذ خطوة جذرية بإغلاق اثنتين من محطات الطاقة الرئيسية التابعة لشركة كهرباء لبنان، مما أدى إلى قطع إمدادات الطاقة عن الدولة بالكامل.

بالتالي مواجهة هذه المخاطر، جعلت الطبقة السياسية الراسخة في لبنان عاجزة عن تحقيق أي نوع من التغيير النظامي لقطاع الطاقة، فالممارسة الطويلة الأمد للحكومة اللبنانية المتمثلة في الانسحاب من تقديم الخدمة العامة أو توجيه الموارد من خلال المنظمات السياسية الطائفية تفرض عبئًا ثقيلًا على الأفراد والمنظمات غير الحكومية لسد الفجوات.

وبذلك فإن التحول الذي يشهده لبنان نحو الطاقة الشمسية، والذي لا يخضع للتنظيم، ويخضع للخصخصة والتفتيت، يترك وراءه كل أولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف تركيب التكنولوجيا الجديدة، مما يزيد من ترسيخ الكهرباء كسلعة خاصة لا تستطيع سوى طبقات معينة تحمل تكلفتها.

أمام تفاقم أزمة الطاقة في لبنان في ظل استمرار الحرب على غزة وتداعياتها على شرق البحر الأبيض المتوسط وعدم استقرار المنطقة برمتها، فإن جهود لبنان في الحصول على الطاقة وبناء أمنها الطاقوي على المدى المتوسط لضمان استدامة الطاقة مستقبلا خاصة بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل ومشاريع التنقيب يزداد تعقيدا وصعوبة يوما عن يوم.

وكخطوة سريعة لإعادة تشغيل الكهرباء في البلاد وضمان التزويد بالنفط، تأتي مبادرة الجزائر في مساعدة لبنان وتزويده بالوقود في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من أزمة كهرباء عميقة تفاقمت بسبب الضائقة المالية والنزاعات السياسية دعما لاستعادة الطاقة وتشغيل محطات الطاقة في البلاد، كما تعكس هذه الخطوة مدى التزام الجزائر بدعم لبنان خلال تحدياته المستمرة، ولم يكن الدعم الجزائري مرهونا بهذه الأزمة فقط، وإنما سبقه مبادرات تعاون ودعم مستمر للبنان.

في قلب هذا الوضع الاقتصادي المظلم في لبنان لا يمكن الخروج من الأزمة المالية والطاقوية في لبنان إلا بتلافي الأسباب التي أدت إلى هذا المأزق، وهذا حتما يحتاج إلى إرادة سياسية متوازنة تشترك فيها كل الأطراف اللبنانية لكن تحديات العجز الاقتصادي والحرب على غزة والتجاذبات الحاصلة بين حزب الله اللبناني وإسرائيل وأطراف اقليمية تقف عائقا أمام تجسيد حلول مستدامة سواء اقتصادية أو سياسية بل وضعت لبنان في عاصفة الحرب بالوكالة ومحاولة جره نحو حرب جديدة أو انتفاضة داخلية لا نتمنى حدوثها. 

* الجزائر

[email protected]

اضف تعليق