الظاهر أن الغرور الذي أصاب أمريكا نتيجة تفردها في التحكم بالقرار السياسي الدولي أوقعها في مشاكل ومساوئ متكررة. بدأ من غزو فيتنام في سبعينات القرن الماضي؛ وهو الغزو الذي مرغ أنفها في التراب، وأجبرها على الانسحاب والهرب، حيث قامت بإعادة التجربة في تشيلي والسلفادور والصومال والجمهوريات القوقازية وأفغانستان، والعراق. وفي كل هذه التجارب تجرعت مر الهزيمة.
ما يهمنا هو ما حدث في أفغانستان حيث كان الخطأ مركبا، عندما قامت أمريكا بتشكيل تنظيم القاعدة ودعمه بكل ما تقدر عليه لكي يهزم السوفيت، ونتيجة ذلك ولد تنظيم القاعدة الإرهابي المجرم الذي هدد السلم العالمي وجعل العالم على شفير الهاوية. وكان المفروض بأمريكا أن تأخذ العبرة من هذه التجربة الفاشلة القاسية، وكان على المجتمع الدولي الذي تضرر نتيجة أعمال القاعدة الإجرامية أن يطالب أمريكا بالتعويض، لكن الغباء الأمريكي لم يتعظ بهذه التجربة، فهم بعد ما أحدثوه من خراب ودمار وقتل في سوريا بالتعاون مع الصهيونية والرجعية العربية، وحينما اعترضهم صمود الشعب والقوات المسلحة السورية بوجه عدوانهم، نسوا ورطة (قاعدة) أفغانستان، وقرروا تشكيل تنظيم جديد يقدمون له الدعم المباشر وغير المباشر عسى أن ينجح من حيث فشل الآخرون، وهكذا اقتطعت جزء من القاعدة وحولته إلى تنظيم إرهابي جديد هو الذي تحول فيما بعد إلى (داعش).
إن الوثائق الرسمية الأمريكية أثبتت هذه الحقائق وأكدت أن داعش صناعة أمريكية بامتياز، حيث كتبت "زينب غريان": حصلت هيئة "جادجيكال ووتش" الرقابية الحكومية، على وثائق جديدة تابعة لوزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين، تثبت ميلاد داعش على يد الرئيس الأمريكي باراك أوباما والذي أصدر أوامر مباشرة بتأسيس تنظيم داعش الإرهابي وتدريبه لإسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.
وأوضحت الوثائق، التي حصلت عليها الهيئة بموجب قانون حرية المعلومات، أن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها شاركوا في صعود تنظيم داعش ونموه في سوريا بشكل خاص وأن مقاتلي التنظيم تلقوا تدريبات محترفة على يد أعضاء تابعين لوكالة الاستخبارات الأمريكية سي آي إيه بمواقع سرية بالأردن. وأضافت أن الرئيس أوباما وحلفاءه قرروا إنشاء جبهة أخرى لمحاربة الأسد في الشرق متمثلة في المعارضة السورية التي يعملون حاليا على تدريبها وتسليحها وهو ما حذر منه مسئولون أمريكيون حينها بشأن تأثير الأوضاع في سوريا على الحكومة الهشة بالعراق. وتوقع التقرير الاستخباراتي الأمريكي أن تعلن داعش ما يسمونه "الخلافة" بالتحالف مع المنظمات الإرهابية الأخرى في العراق وسوريا بما فيهم أفرع تنظيم القاعدة. وتضم الوثائق التي حصلت عليها الهيئة الرقابية أول دليل رسمي على علم الإدارة الأمريكية بشحنات الأسلحة المرسلة للمتطرفين عبر بني غازي الليبية بينهم داعش وجبهة النصرة وغيرهم من التنظيمات المتطرفة منذ عام 2012 عبر مينائي بانياس وبرج الإسلام السوريين.
فضلا عن هذا هناك مئات الأدلة الدامغة التي تثبت تورط أمريكا في صنع داعش بل وحاجتها الآنية لها، والعمل على بقائها، تؤكد ذلك عمليات الدعم الجوي المستمرة التي تقدمها للدواعش من خلال مدهم بالمال والسلاح والدعم اللوجستي المستمر، حيث رصدت القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي عمليات إنزال الأسلحة والمؤن إلى الدواعش الذين تحاصرهم قواتنا ولأكثر من مرة، وهذا يثبت هذه الحقيقة، ويثبت أن أمريكا غير مستعدة للتخلي عن داعش لا اليوم ولا في المستقبل القريب، وان دعمها لداعش سوف يستمر إلى أن تحقق بواسطتها كل مشاريعها المؤجلة في وطننا العربي المسكين، وحينها تحرق المنطقة ومن عليها، وتكون داعش أول ضحاياها.
اضف تعليق