وما يجعل العواقب وخيمة، ليس الوباء وحده، بل ضعف بنية النظام الصحي في مواجهته، وغياب الإدارة المؤسّسية القادرة على التصدّي له، بإرادة سياسيّة حاسمة وحاكمة ومُلزِمة للجميع، وبدرايةٍ وحُنكةٍ وفاعلية، وعدا الكوادر الطبيّة التي تعملُ بإخلاصٍ وحِرْصٍ وتفانٍ يبعثُ على الفخر بأكثرِ وسائل الحمايةِ والعلاجِ بؤساً...

ليس هناك ما يدعو إلى الذعر حتّى الآن، وعلى وفق البيانات المتاحة الآن، فإنّ كُلّ شيءٍ يبدو على مايرام، نحتاجُ لأسبوعِ على الأقلّ، واسبوعينِ على الأكثر، لنكون على ثقةٍ تامّة بأنّ كُلّ شيءٍ هو حقّاً، على ما يُرام، لأنّنا، لو حدث العكس، سنواجِهُ (مُجتَمًعاً ودولة)، عواقب وخيمة.

وما يجعل العواقب وخيمة، ليس الوباء وحده، بل ضعف بنية النظام الصحي في مواجهته، وغياب الإدارة المؤسّسية القادرة على التصدّي له، بإرادة سياسيّة حاسمة وحاكمة ومُلزِمة للجميع، وبدرايةٍ وحُنكةٍ وفاعلية.

وعدا الكوادر الطبيّة التي تعملُ بإخلاصٍ وحِرْصٍ وتفانٍ يبعثُ على الفخر (بأكثرِ وسائل الحمايةِ والعلاجِ بؤساً) فإنّ كُلّ عناصر إدارة الأزمة الأخرى، تبدو عاجزة، ومُتخبّطة، وفقيرة.

لن أُقحِمَ نفسي في اختصاصات أخرى، وسأتحدّث عن الإقتصاد، الذي "أزعُمُ" و "أدّعي" أنّهُ اختصاصي الدقيق.

ما يتمُّ تداولهُ بصدد الإجراءات والسياسات الإقتصادية (الحكوميّة) في مواجهة التداعيات السلبية "المُركّبة" لتفشّي الوباء في العراق، وفي العالم (سواءَ تعلّق الأمر بالإنفاق الشخصي، أو الإنفاق الحكومي)، هو أمرٌ يبعثُ على الأسى حقّاً.

فكُلّ من يعتقد أنّهُ معنّي بالشأن الإقتصادي في هذا البلد (وما أكثرهم)، يتحدثُ عن السبل الكفيلة بتحقيق أهداف اقتصاديّة صرفة، عندما يتناول هذا الموضوع، بعضهم يتحدّثُ عن ضرورة خفض الناس لإنفاقهم .. وعن خفض الإنفاق الحكومي، وعن التقشّف، وعن تنويع مصادر الدخل في الإقتصاد .. وغير ذلك كثير، أيّ تقشّف، وأيّ خفضٍ للإنفاق الشخصي، وأيّ إدارةٍ للطلب الكُلّي، وأيّ خفضٍ لسعر الفائدة، وأي إعفاءٍ من أقساط قروض الإسكان والمشاريع الصغيرة لمدة ثلاثة أشهر!.

أيّ خفضٍ للإنفاق، وأيّ إدارةٍ للطلب، وكثيرون لم يعُد لديهم دخَلُ لينفقونه، ولم يعُد لهم أيُّ مصدرٍ للعيش؟، أيُّ "لغوٍ" اقتصاديٍّ هذا .. والناسُ تعتقد أنّها ستموت ؟؟؟، أيُّ إعفاءٍ من سداد اقساط القروض، وأيُّ إقراضٍ "مُيَسّرٍ"، والمشاريعُ مُعطّلة، لا تُنتِجُ شيئاً، ولا تبيعُ شيئاً، بإنتظار الفرجِ "الإلهي" ؟؟؟

إذهبوا وأبحثوأ عن أهداف إجتماعيّة صِرفة للسياسة الإقتصادية، وللسلوك الإقتصادي المناسب، في هذه المحنة المركبّة والمزدوجة، والمُعقدّة جداً، عزّزوا أنظمة التكافل المُجتمعية(وهي عديدة ومتنوعّة وفاعلة)، بدعم مالي مناسب، إلتفتوا (ولو للحظّات قليلة من وقتكم المهدور على صراعاتكم السياسية)، لكي تضعوا تحت تصرف المتضرّرين من ذوي الدخل المحدود، سياسات وإجراءات طارئة، وآنيّة، وسريعة للإعانات، تكفلُ لهذه الشريحة عيشها بتعَفُّفٍ وكرامة، خَصّصوا للقطاع الصحي ما يحتاجهُ من أموال، ولا تتحدّثوا عن ذرائعَ مُخجِلة تحولُ دون ذلك .. لأنّهُ من المُعيب، بل هو "عارٌ وطنّي" هذا الذي يحدث الآن .. حيث تخصّص وزارة المالية 50 مليون دولار فقط لذلك، وحيثُ "يتكرّم" علينا "السياسيّون" ببناء مُستشفى هُنا وهُناك، وتجهيزُ مشفى صغير بما يحتاجهُ من أسّرة ومستلزمات ... فأين كنتم إذاً طيلة 17 عاماً من حُكمكم، وتحكّمكم، بالعراق "الجديد" ؟؟

ضَعوا للإقتصاد، وللسياسة الإقتصادية .. الآن .. هدفاً واحداً فقط، هو منع "التفكّك" الاجتماعي، هذا "التفكّك" هو أكبرُ تحدٍّ يواجهنا الآن، هذا "التفكُّك" المُجتمعي تغذّيهِ عوامل كثيرةٍ وحاسمة، منها : فقدان الوظائف، انعدام مصادر الدخل، التوقعات المتشائمة وأنعدام اليقين ممّا تحملهُ الأيّام القادمة، الإحساسُ بالظلم وأنعدام العدالة، اليأس من إمكانية تعويض الخسائر الناجمة عن هذا الوضع .. وغيرها كثير، لا معنى للأمنيات والتنظيرات والبديهيّات، إذا ساد بين الناس اعتقادٌ بأنّ "دولتهم" عاجزة عن مواجهة هذه المحنة، وأنّها ستخذلهم، وأنّهُم سيموتون، في الولايات المتحدّة الأمريكية يتزايد الطلب على شراء الأسلحة الآن بوتيرةٍ لم تحدث من قبل، الشعب الأمريكي يستعِدّ لما هو أسوأ، لأنّهُ يخشى من انزلاق الأمور نحو الأسوأ، ومن غياب السلطة القادرة على حمايتهم لاحِقاً، ومن إنهيار المؤسسات، فما الذي تعتقدونَ أنّهُ سيحدث هنا ... لو أنزلقت الأمور نحو الأسوأ فعلاً ؟، ماذا أنتم فاعلون؟.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق