شهدت القواعد الامريكية في الأسابيع الأخيرة عمليات تسليم للقوات العراقية في إطار خطة أمريكية لإعادة التموضع والانتشار في ظل انتشار فيروس كورونا الذي إثر على تواجد الجيش الأمريكي بالإضافة الى بروز متغيرات جديدة في قواعد الاشتباك مع إيران وحلفائها في العراق منذ اغتيال الجنرال قاسم سليماني...
شهدت القواعد الامريكية في الأسابيع الأخيرة عمليات تسليم للقوات العراقية في إطار خطة أمريكية لإعادة التموضع والانتشار في ظل انتشار فيروس كورونا الذي إثر على تواجد الجيش الأمريكي بالإضافة الى بروز متغيرات جديدة في قواعد الاشتباك مع إيران وحلفائها في العراق منذ اغتيال الجنرال قاسم سليماني وقائد اركان الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد الدولي مطلع العام الجاري.
فايروس كورونا دخل كمتغير ثانوي ساعد على عملية إعادة الانتشار، لا سيما مع وجود إصابات بنسبة كبيرة في صفوف الجيش الأمريكي الامر الذي قد يؤثر على عملياته الخارجية، لكن العامل الأبرز والاهم في عملية إعادة الانتشار هذه هو اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني والذي غير طريقة تعاطي ايران مع التواجد الأمريكي في العراق، فواشنطن أسست لقواعد اشتباك جديدة اكثر حدة، وجعلت خطوط التماس مع الجانب الإيراني قريبة جدا، ما دفع طهران للرد ولأول مرة بصواريخ باليستية على قواعد أمريكية في العراق أدت الى إصابات بليغية لاكثر من 100 جندي في قاعدة عين الأسد بحسب الاعتراف الأمريكي بينما تقول طهرن ان العملية الانتقامية لاغتيال سليماني أدت الى مقتل اكثر من 80 جنديا أمريكيا.
وتبدو الأرقام غير ذات أهمية في ظل الحدة الإيرانية في التعاطي مع الجانب الأمريكي، فهذه اول مرة في تاريخ الصراع بين الطرفين منذ سقوط نظام حزب البعث وحتى الان تقوم ايران بقصف القواعد الامريكية بالصواريخ الباليستية، كما ان الهجمات على الاض من قبل حلفاء ايران كانت اكثر كثافة ولو انها اقل فاعلية من حيث عدد الإصابات في صفوف القوات الامريكية، لكنها تمثل تحديا جديا للتواجد الأمريكي، خاصة في القواعد القريبة من المناطق الحاضنة للفصائل الشيعية المسلحة والتي لا تقتنع الا بمغادرة اخر جندي امريكي من العراق كجزء من عملية الانتقام لاغتيال سليماني والمهندس.
صاحب الأرض يتفرج
ما يجري من صراع إيراني امريكي على الأرض العراقية يمثل انتهاكا صارخا لحرمة الأجواء العراقية، ويسحق السيادة تحت شعارات الدفاع عنها، فالولايات المتحدة الامريكية تبني المزيد من القواعد العسكرية بحجة حماية مصالحها، وصيانه السيادة العراقية، بينما هي من تقوم بعمليات الاغتيال للقادة العراقيين، وتقصف المنشآت العسكرية بدون حتى تبليغ الجانب العراقي، او تقوم بتبليغه قبل دقائق من شنها العدوان العسكري.
اما ايران فلديها ذات الحجة، انها تريد الدفاع عن السيادة العراقية، بينما تدفع عشرات الفصائل المسلحة خارج اطار القوات المسلحة العراقية، وتقوم هذه الفصائل بعمليات عسكرية اغلبها تصب بصالح طهران، وان جرت تحت غطاء الحفاظ على السيادة العراقية.
اذا كان الانسحاب الأمريكي عام 2011 من العراق مثل البداية لنوع جديد من الصراع الأمريكي مع ايران، ببروز الأخيرة كقوة اكثر فاعلية في العراق وتاثيرها بشكل كبير على الساحة العراقية، فان مرحلة ما بعد اغتيال سليماني ستمثل مرحلة الصدام شبه المباشر بين الطرفين، واذا كانت اغلب الصراعات بين الطرفين يجري حلها بالتفاوض وتبادل الصفقات بين الطرفين، فان المرحلة الجديدة قائمة على أساس توازن القوى على الأرض بغية الوصول الى مرحلة جديدة من التفاوض تتزاحم فيها المصالح الامريكية على اخذ مساحة تكبر او تصغر، لا تطلبها من العراق، بل تطلبها من ايران التي ستكون لها القدرة على شن هجمات صاروخية على القواعد الامريكية، وهذا ما دفع الأخيرة الى التفكير بنصب منظومات للدفاع الجوي استجابة للتحديات الجديدة وقواعد الاشتباك التي ستكون اكثر سخونة.
اما بالنسبة للجانب العراقي صاحب الأرض فان سخونة الصراع بين الطرفين، تقلل من فرصه في الحفاظ على سيادته، فلا هو قادر على كبح جماح الولايات المتحدة الامريكية التي كثفت من هجماتها على القوات العراقية، والفصائل المسلحة، فان هذه الفصائل لا يمكن ان تفهم حاجة الجانب العراقي الى التهدئة الا في اطار التعاطي السلبي مع المنطق الجهادي الهادف الى حماية السيادة العراقية المنتهكة من الأمريكي.
ولا الأمريكي يتفهم حاجة العراق الى ابعاده عن الصراع الإيراني الأمريكي، ولا الإيراني يتفهم ذلك اطلاقا، لان بغداد التي تعيش بلا حكومة منذ عدة اشهر لا تستطيع حماية دستورها من اختراق القوى السياسية، ولم تحافظ على أموالها من النهب والاستغلال من الأحزاب المتنفذة لا يمكنها فرض شروطها على لاعبين كبار مثل الولايات المتحدة الامريكية وايران.
وفي ظل تصاعد حدة التوتر بين طهران وواشنطن تشح الخيارات امام بغداد، ولا تجد منفذا الا الانحناء والسماح بمزيد من الانتهاكات للسيادة العراقية عبر إعادة انتشار امريكي بدون موافقة عراقية، وتزايد التدخلات الإيرانية حتى في جزئيات تشكيل الحكومة العراقية.
اضف تعليق