تمكن ظهور الفيروس من كشف النقاب عن أوروبا وتسليط الأضواء بشكل مكثف على بعض نقاط الضعف التي تخترق النظام الاجتماعي القائم فيها، فلاحظنا ان البنية التحتية لم تكن مثل ما خُيل لنا، فالكثير من الدول عرفناها تعاني من تدهور حاد في الخدمات الاجتماعية المقدمة للمواطنين...
هالة كبيرة كانت مرسومة في مخيلة الفرد العربي تجاه الدول الغربية وما تعيشه من حياة مختلفة، عن الواقع المعاش في البلدان العربيةـ السبب الرئيس الذي ساعد على تكوين هذا الصورة هو الذكاء والاحترافية في توظيف الإعلام لعكس الصورة الإيجابية فقط دون التركيز على السلبيات المنتشرة بين القطاعات المختلفة.
فهذه وظيفة الإعلام الناجح الذي تمكن من تسويق عادات وممارسات الحياة اليومية في البلدان الغربية وصور لنا بأنهم يعيشون بكوكب آخر بعيدا عن الكوكب الذي نقطن فيه، اذ قدم تلك البلدان بأبهى صورة وأجمل حلة، ناظرا بعين واحدة الى الحقيقة، مجافيا بذلك الواقع المُعاش ومظللا للأفراد في الأنحاء الأخرى من الكرة الأرضية.
فهذه الصورة المكونة لدى الأفراد من خارج المنظومة الأوربية اصابها الخلل، ويمكن القول انها تزعزعت بنسبة كبيرة بعد تفشي فيروس كورونا بشكل كبير في البلدان الأوربية واعلنت بعضها عدم قدرتها على مواجهة هذا المرض وفوضت امرها الى السماء.
بينما ضاعفت دول اخرى من جهودها لمحاربة هذا الوحش الكاسر وكرست جميع أعمالها لهذا الغرض ولم تترك وسيلة تخلصها من هيمنته الا واتبعتها، فتوصل الجميع الى ان الحل الوحيد لتقليل الضرر هو الحجر المنزلي والاكتفاء بالتباعد المجتمعي كخطوة مؤقتة وليس حل للمشكلة بشكل نهائي ما يعني اننا لا نزال في دائرة الخطر ولم نستطع القول عبرنا الى شاطئ الأمان بعد.
عندما نعول على تلك الدول في ايجاد الحلول التي تبعد خطر هذا الوباء عن الإنسانية، ليس لانها تمتلك اُناس يحملون عقول استثنائية، تفوق في طريقة تفكيرها وأساليب تعاملها مع الأشياء العقل البشري لدى المواطن العربي.
بل لانها تلك البلدان سبقت بعض الشعوب في اجراء الدراسات والبحوث العلمية التي مكنتهم من الوصول الى نتائج إيجابية ملموسة، وأصبح لهم الريادة في بعض المجالات لا يمكن إنكارها او التغاضي عنها بأي شكل من الأشكال، ونتيجة لهذا التطور أصبحنا نعقد الأمل على جهود شريحة العلماء في تلك الدول، ذلك لكونهم يملكون بيئة سليمة قادرين بموجبها على ايجاد مخرجا للازمة الحالية ربما في قادم الأيام تتضح معالمه.
في الجانب غير المشرق للدول الأوربية، فقد تمكن ظهور الفيروس من كشف النقاب وتسليط الأضواء بشكل مكثف على بعض نقاط الضعف التي تخترق النظام الاجتماعي القائم فيها، فلاحظنا ان البنية التحتية لم تكن مثل ما خُيل لنا، فالكثير من الدول عرفناها تعاني من تدهور حاد في الخدمات الاجتماعية المقدمة للمواطنين، اذا ما أجرينا مقارنة بسيطة مع ما يتم تقديمه في الدول العربية.
بينما تمكنت بعض الدول العربية من ذوي الاقتصاد المتعافي، من البقاء واقفة ولم تهتز مكانتها جراء الأزمة الحالية، في ظل ما تعانيه اغلب الدول من تراجع ملحوظ في الاقتصاد وغيرها من الجوانب المهمة ذات المساس المباشر بحياة المواطنين.
تتحدث بعض الدول عن ارتفاع احصائيات حدوث الجريمة في ظل خلو الشوارع الرئيسية ببعض العواصم الأوربية، ما يعني ان النزعة العدائية لدى الأفراد ظهرت الى الوجود عندما تهيأت الظروف المناسبة، ونتيجة لذلك انتشرت مفارز الشرطة في مختلف الأماكن العامة والأزقة لتقليل الخطر المحيط بالمواطنين العزل.
ففي الشعوب العربية لم نسمع بمثل هذه الاحداث حصلت بالتزامن مع حالة الفراغ الذي تشهده الأماكن العامة الى جانب الشوارع، وهذا بالتأكيد يعود الى الكثير من الأسباب أهمها هو الوازع الديني الذي يتحلى به المواطن العربي، فضلا عن وجود وسائل الضبط الاجتماعي التي تحكم المجتمعات ومن بينها العربية، الا ان ذلك العامل لا يزال يأتي في صدارة أساليب الضبط الاجتماعي.
قد نكون غير حياديين في الطرح عندما نتكلم عن المآخذ المتربة على المجتمعات الأوربية، فهو مجتمع لا يخولوا من التراحم والتوادد فيما بين ابناءه، فبعض الأثرياء تبرعوا بملايين الدولارات للأسر التي طالها الأسى وأصبحت تعاني من شظف العيش بسبب التوقف عن العمل ولم تكن هنالك وسيلة بديلة للكسب.
وخصص بعض آخر ممتلكاته الفردية لخدمة الاشخاص المصابين بالفيروس او الذين يجب حجرهم في أماكن بعيدة عن المواطنين الاصحاء قدر الإمكان، وهذا يعني ان الهم الإنساني هم واحد اذا ما حصل خلل في مكان ما فان الجميع يشتركون بالمسؤولية لتخفيف الضيم الذي اصاب الأفراد.
كثير من الامور تكشفت لنا بعد هذه الجائحة، وزال الجدار الذي وضعه امام انظارنا الإعلام الغربي طيلة العقود الماضية، فقد تهاوت تلك الصورة الذهنية الإيجابية وقلت الثقة في المرتكزات القائم عليها النظام الأوربي.
علينا ان نعي ان لدينا امكانات وقدرات لا يمكن الاستهانة بها، ففي حال تم توظيفها بشكل جيد وفق تخطيط سليم، سنصل بالتالي الى مصاف تلك الدول، وليس هذا بعسير طالما هنالك ثروات مادية وبشرية، ما مطلوب هو فقط احسان التصرف بها من اجل تعميم المنفعة والخروج من حالة التخبط وعدم التنظيم التي حدثت وتحدث في اغلب البلدان العربية.
وعلى الإعلام العربي ان يسوق الإيجابيات التي تسود في المجتمعات العربية، فمن غير الصحيح ان يركز على القتل والدمار ويتجاهل محاولات النهوض والإعمار، وعليه ايضا عن يضاعف من جهوده لكسر الصورة النمطية التي رُسخت لدى الفرد في الغرب عن المواطن العربي، فقد تمكنت الجهود الإعلامية المغرضة من تقديم العربي على هيئة انسان فارغ المحتوى، جل همه القتل والاعتداء على القوانين والأنظمة، وهذه الصورة لابد ان تهشم ويحل محلها الصورة الناصعة ذات الصفات والألوان الجميلة.
اضف تعليق