وتبقى الآن الكرة بيد اللاعب العراقي، فهو من يقرر اي الملاعب يختار، أما البقاء في الجانب الشرقي والذي كلفه كثيرا، منذ تغيير النظام ولغاية الآن، ام سيذهب بصوب الغرب الذي لم يتوقف عن محاولاته في اخراج العراق من الرعاية الإيرانية، وبذلك من الممكن ان نكون قد كسبنا الجولة...
بمجرد ان يحدث شيئا بسيطا في العراق تعج القنوات المحلية والقومية وحتى الدولية بالعواجل يتبع ذلك كم هائل من التغطيات المفضلة التي تتم بإستضافة محللين كبار من اجل تناول موضوع الحدث من جميع جوانبه والوقوف على اسبابه ومسبباته سواء الداخلية او الناجمة بفعل مؤثر خارجي.
هذا الاهتمام يدلل وبشكل قطعي على أهمية العراق بالنسبة للمنطقة أولا وللعالم ثانيا، فهو يشكل نقطة التقاء مصالح لكثير من الدول، ولم تقتصر تلك المصالح على الدول الجارة او العربية بل تمتد الى ابعد من ذلك حيث تصل الى بعض الدول الغربية وابسط دليل لإثبات ذلك هو الحرب التي شنتها قوات التحالف على العراق بدوافع وحجج واهية ليس لعاقل ان يقبلها.
ان لموقع العراق الاستراتيجي أهمية قصوى عبر تأثيره على حركة الاقتصاد والتجارة، فهو يعتبر حلقة الوصل لما يسمى طريق الحرير الذي يصل من الصين الى الهند، فهو بذلك اصبح علامة بارزة في خارطة التأثير الدولي، ولا يمكن تجاهله بعد ادراك أهميته من قبل القوى الدولية الفاعلة بالمشهد الجاري.
هذا الدور الذي يلعبه العراق يمكننا القول اخذ بالتراجع او تم استغلاله من قبل احدى الدول الجارة، اذ نراها استغلت الضعف السياسي الذي تشهده البلاد بعد عام 2003، وما طرأ عليه من تغيرات كثيرة، حيث اقترب الى حد ما من الجارة ايران في المقابل اخذ بالابتعاد عن الحاضنة العربية التي تربطه بها روابط قومية لا يمكن ان ينسلخ عنها، لكن ما جعل العراق ينحو بذلك الاتجاه هو سياسة الإقصاء التي عمدها الأشقاء.
وبعد ذلك التقرب من ايران اصبح العراق يعيش اشبه بالعزلة المحيطية، مع اننا لا ننكر انفتاح بعض رؤساء الحكومات العراقية على المحيط الإقليمي، وسعيهم الحثيث على خلق علاقات وشيجة مع الدول العربية، لكنهم لم يفلحوا بذلك والسبب هو الخلاف العقائدي، في حين ان الجارة أخذت تقترب من العراق بصورة اكبر يوما بعد آخر.
ان وقوف العراق الى جانب ايران في بعض المواقف يعود لمبادرات ايران التي قدمتها في الحرب على الزمر الإرهابية ومن أهمها مقاتلة تنظيم داعش الإرهابي، ولم تكن جميع الجهود المقدمة نتيجة لخشيتهم على العراق وسلامة مواطنيه واستقرار أمنه، وإنما لان عدم استقراره سيؤثر على المنطقة برمتها اولها على الأوضاع الداخلية في ايران، لذا فضلت ان تقاتل على غير ارضها، باعد بذلك المخاطر عن بلادها قدر الإمكان، وان كلفها ذلك الأمر بعض الخسائر المادية والبشرية، لكنها في المقابل ستخسر أضعاف ذلك فيما اذا تم دخول التنظيم الى أراضيها وتصبح تكلفة الخلاص باهظة جدا.
والذي ساعد على ذلك الذوبان في احضان ايران هو القادة السياسيين الذين عبدوا الطريق وأزالوا جميع المعوقات، بما يضمن تحقيق الأهداف دون عناء، ومن الأهداف التي نجحت في تحقيقها الجارة هو اخراج العراق من الدائرة المحيطية، وتقليل اعتماده على الدول العربية التي هي في الأساس لديها خشية من النفوذ الإيراني بالمنطقة، وتسعى بكل اساليبها للتقليل من ذلك النفوذ، لكنها لم تنجح، ولسبب واضح جدا وهو عدم قناعتها بالعملية السياسية الحاصلة في العراق والتي يهيمن عليها قادة معروفون بتوجهاتهم الدينية.
من عوامل ابتعاد العراق عن البيت العربي هو كما أسلفنا تأثير الجانب الآخر على الطبقة السياسية الحاكمة فيه، بينما نرى ان بعض الدول العربية كانت حاضنة رئيسة للعناصر الإرهابية، وبالتالي ولد حالة من عدم القبول على المستويين الشعبي والسياسي في العراق لهذه الرعاية او الأعمال، فلا يمكن لأي مخلوق ان يتقبل قاتله وتسبب بأذيته، وما حدث مع بعض البلدان العربية كذلك تماما، فالبعض تاجر بدماء العراقيين، والبعض قدم ما بوسعه لإنهاء النظام الوليد، الذي لم يتوقع في يوم من الأيام ان تؤول مقاليد السلطة لهذه النخبة، فهم قد يكونوا اصيبوا بصدمة لم يتلقوها على مر العصور، ويبدو لغاية الآن لم يتمكنوا الخروج منها طالما من يقود البلاد يختلف معهم في الجانب العقائدي.
منذ أعوام قبل الآن حدثت صحوة عربية قادتها المملكة العربية السعودية، والتي تأخذ الآن دور الأب في المنطقة، مكنها من ذلك الدعم الأمريكي الكبير، ولم يكن هذا الدعم دون مقابل فالبيت الأبيض يعرف جيدا مدى العداء بين الجانبين السعودي والإيراني، فهي بذلك ارادت ان توفر على نفسها المال والجهد، وأوكلت بعد ذلك بالمهمة الى المملكة التي لم تتوانى عن توجيه التهم واللوم الى حكومة طهران، وجعلها السبب الرئيس وراء ما يحدث في المنطقة، والنتيجة هو تصعيد نبرة الخطابات التي لم تجلب الى المنطقة الى مزيدا من التوتر والتعقيد الكامل، ولم نتوقع ان يلوح في الأفق القريب حل للمسائل العالقة بين الطرفين منها إيقاف التدخل بالشؤون العربية، ومسألة الملاحة البحرية وغيرها من الموضوعات الشائكة.
قد نكون ابتعدنا قليلا عن جهود المملكة العربية الأبوية في إطار ترطيب الأجواء مع العراق، ووضع الخلافات جانبا، اذ نراها بادرت الى التبرع ببناء مدينة رياضية في العاصمة بغداد، بعد ان عرفت ان دخولها بالجانب الديني لم يغير من الموقف الشعبي بالعراق، فارادت ان تجرب حظها في هذا المضمار، ونجحت الى حد ما في تغيير بعض وجهات النظر، لكنها ليس بالمستوى المطلوب، حيث لا تزال الكثير من الطبقات الشعبية في العراق تعتبر ايران المُخلص للبلاد في الأزمات المتوقعة الحدوث، او الهجمات الخارجية، بينما نرى بعض الدول اعادت تمثيلها الدبلوماسي الى بغداد تماشيا مع الرغبة السعودية الأخ الأكبر للكثير من الدول العربية.
وتبقى الآن الكرة بيد اللاعب العراقي، فهو من يقرر اي الملاعب يختار، أما البقاء في الجانب الشرقي والذي كلفه كثيرا، منذ تغيير النظام ولغاية الآن، ام سيذهب بصوب الغرب الذي لم يتوقف عن محاولاته في اخراج العراق من الرعاية الإيرانية، وبذلك من الممكن ان نكون قد كسبنا الجولة وأصبحنا كأشقاءنا العرب الذين يتمتعون بقدر كبير من الاستقرار السياسي، الى جانب تطور واضح في البنى التحتية، فهي تحتوي على مستشفيات وملاعب وغيرها من المرافق الخدمية والتي أصبحت تضاهي بعض البلدان الأوربية، فالذي جعلها تصل لذلك هو تقديم مصلحة نظامها السياسي على جميع الاعتبارات، بعد ذلك عملت على راحة شعوبها لضمان عدم التدخل في الشؤون السياسية.
اضف تعليق