من الصائب والمناسب تحذير الحركة الاصلاحية من ارتكاب عيوب التأسيس التي ارتكبتها الطبقة السياسية بعد سقوط النظام الدكتاتوري في عام ٢٠٠٣، والحركة الاصلاحية هو المصطلح الذي استخدمته المرجعية الدينية في ٨ تشرين الثاني من العام الماضي لوصف التظاهرات الاحتجاجية المطالبة بالإصلاح، وهو مصطلح يشمل ايضا كل من يطالب بالإصلاح...
من الصائب والمناسب تحذير الحركة الاصلاحية من ارتكاب عيوب التأسيس التي ارتكبتها الطبقة السياسية بعد سقوط النظام الدكتاتوري في عام ٢٠٠٣، والحركة الاصلاحية هو المصطلح الذي استخدمته المرجعية الدينية في ٨ تشرين الثاني من العام الماضي لوصف التظاهرات الاحتجاجية المطالبة بالإصلاح، وهو مصطلح يشمل ايضا كل من يطالب بالاصلاح سواء كان من المتظاهرين ام لم يكن.
والاصلاح المتبادر الى الذهن اولا هو الاصلاح السياسي. ذلك ان النظام السياسي الحالي هو ثمرة سلسلة من عيوب التأسيس منذ تشكيل مجلس الحكم الى الان، ومن ابرز هذه العيوب الانشغال بالسلطة (الحكومة) واهمال الدولة.
والمعروف ان هناك فرقا كبيرا بين الحكومة والدولة، وان كان القانون الدستوري يعتبر الحكومة من مقومات الدولة. فان الدولة كيان واطار اوسع واشمل يحتوي الحكومة وغيرها من المكونات.
والتغيير الذي حصل في ٩ نيسان عام ٢٠٠٣ لم يكن يهدف الى استبدال حكومة بحكومة، وانما كان يهدف الى تغيير النظام السياسي برمته واعادة بناء الدولة العراقية من جديد على اسس انسانية وديمقراطية وحضارية، تتمثل من بين امور كثيرة اخرى بالانتقال من النظام الدكتاتوري الفردي الى النظام الديمقراطي التعددي، ومن الاقتصاد الموجه الى الاقتصاد الحر، ومن الدولة الريعية الى الدولة الاستثمارية ... وهكذا.
ولمّا لما يحصل هذا التغيير بهذه الصورة الواسعة، انبثقت الحاجة الى اصلاح النظام السياسي اصلاحا حقيقيا وجذريا. واذا كان بعض المواطنين قد نزلوا الى الشارع في تشرين الاول من العام الماضي مطالبين بالاصلاح، فان هناك من دعا الى الاصلاح قبل ذلك بفترة طويلة ولم يُسمع قولهم.
واليوم اذْ يصبح الاصلاح الحقيقي مطلبا عاما، فانه من الضروري تنبيه الحركة الاصلاحية من خطر الانزلاق في مطب الانشغال بقضية الحكومة والسلطة على حساب قضية اعادة بناء الدولة.
وانما يأتي هذا التنبيه بسبب ظهور مؤشرات الى امكانية الوقوع في هذا الخطأ الفاحش. فقد ادت استقالة عادل عبد المهدي، والخلافات حول البديل، ثم تكليف محمد علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة الى جعل هذا الموضوع بؤرة الاهتمام بدل موضوع اعادة بناء الدولة. واذا انجرت الحركة الاصلاحية الى هذه اللعبة فانها سوف تكون شريكة الطبقة السياسية في ارتكاب عيوب التأسيس. ومن هنا قلت واقول ان تشكيل الحكومة الجديدة هي مشكلة الطبقة السياسية، فيما تكون اعادة بناء الدولة هي القضية رقم واحد بالنسبة للحركة الاصلاحية.
ولا اخفي استغرابي الشديد من ترشيح احد المتظاهرين نفسَه لتولي منصب رئيس الوزراء وهو يعلم -او لا يعلم- انه مهما اوتي من صلاح فان اي رئيس وزراء جديد سيكون اسير الطبقة السياسية الحاكمة، لان هذا لن يعدو تغييرا في شخص فرد، في ظل استمرار نفس المؤسسة المتهمة بالفساد. وقد اثبت فشل محمد علاوي في تشكيل الحكومة الجديدة صحة هذا القول لانه وجد نفسه غير قادر على تخطي القيود والخطوط التي تضعها وترسمها الطبقة السياسية الحاكمة ومؤسستها (البرلمان) وامراؤها.
والغريب ايضا ان البعض راح يتغنى بزهد علاوي في المنصب دون ان يلتفت الى القضية الاهم وهي صعوبة تخطي خطوط الطبقة السياسية الحاكمة، ودون الانتباه الى ان هذه هي المشكلة الاساسية. ومما يزيد في الاستغراب ان البعض فتح صفحة البحث عن مرشح بديل دون التوجه نحو فتح الصفحة الاهم التي عنوانها تغيير المؤسسة الام في النظام السياسي وهو البرلمان، وبالمناسبة، ان هذا، اي تغيير مؤسسة البرلمان، هو ما تقوم به الانظمة الديمقراطية العريقة كلما واجهها استعصاء سياسي، حيث تعمد الى اجراء انتخابات مبكرة لحل المشكلة.
اضف تعليق