لنقل ان هناك منهجين او طريقتين لبناء الدولة. الاولى طريقة المكونات، والثانية طريقة المواطنة، اشياء كثيرة سوف تختلف بناء على هاتين الطريقتين، فعلى مستوى بناء الدولة، يكون المكون هو وحدة البناء في الدولة المكوناتية، بينما يكون المواطن هو وحدة البناء في دولة المواطنة...
لنقل ان هناك منهجين او طريقتين لبناء الدولة. الاولى طريقة المكونات، والثانية طريقة المواطنة. اشياء كثيرة سوف تختلف بناء على هاتين الطريقتين، فعلى مستوى بناء الدولة، يكون المكون هو وحدة البناء في الدولة المكوناتية، بينما يكون المواطن هو وحدة البناء في دولة المواطنة.
وعلى مستوى الديمقراطية، سوف تختار المكوناتيةُ الديمقراطيةَ التوافقيةَ، فيما تختار المواطنيةُ الديمقراطيةَ العدديةَ، وعلى مستوى الانتخابات، سوف تختار المكوناتية اسلوب القائمة والتمثيل النسبي، فيما تختار المواطنية اسلوب الانتخاب الفردي.
وعلى مستوى تشكيل الحكومة، سوف تختار المكوناتية اسلوب المحاصصة بدون معارضة برلمانية، فيما تختار المواطنية اسلوب حكومة الاغلبية البرلمانية مقابل المعارضة البرلمانية، وعلى مستوى الاحزاب، سوف تنشأ احزاب فئوية كثيرة مغلقة كلها تعجز عن تحقيق اغلبية مطلقة في البرلمان، فيما ينشأ، في المواطنية، عدد قليل من الاحزاب يفوز احدها بأغلبية برلمانية مطلقة يمكن ان تتغير في انتخابات مقبلة.
وعلى مستوى التعيينات في الدرجات الخاصة في الدولة، تعتمد المكوناتية على معياري الانتماء والولاء، فيما تعتمد المواطنية على معياري الكفاءة والنزاهة، تؤكد المناورات الخفية والتصريحات العلنية المصاحبة لتشكيل الحكومة جوهر العقيدة السياسية لأحزاب الطبقة السياسية. وهذه العقيدة هي "المكوناتية".
احزاب السلطة لا تفهم السلطة، فضلا عن الدولة، الا بكونها مائدة تجلس عليها "مكونات"، يزعمون انهم يمثلونها. فالسياسيون الذين يمسكون بازمة القرار، وعددهم قليل لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة، يتحدث كل واحد منهم باسم مكون عرقي او طائفي معين، ولا يتحدث اي منهم باسم المواطن العراقي بدون توصيف عرقي او طائفي. هذه عقيدتهم منذ سقوط النظام الدكتاتوري، وهي العقيدة التي صمموا على اساسها نظام المحاصصة في تشكيل اجهزة الدولة وفي مقدمتها مجلس الوزراء.
وساعدهم في ذلك السلوك الانتخابي للمواطنين الذين كرسوا اصواتهم للطائفة او القومية، فيما ساعدهم من جهة ثانية مواطنون سلبيون لم يتحركوا بصورة جدية وهادفة لإسقاط هذه العقيدة السياسية النافية لفكرة المواطنة والمناقضة للديمقراطية.
وهذا هو احد عيوب التأسيس التي اصابت العملية السياسية بمقتل منذ تشكيل مجلس الحكم، وانتجت مختلف انواع الفساد في الدولة، وانتهى بالعراق الى استبداد مكوناتي مغطى باسم الانتخابات التي اضحت شكلية ولا قيمة لها على الصعيد العملي.
لإصلاح حالة الدولة في العراق يجب تغيير العقيدة السياسية المتبعة في بنائها، والانتقال من عقيدة المكونات الى عقيدة المواطنة، واذا كانت احزاب الحكم ترفع راية دولة المكونات، فان راية دولة المواطنة تتطلب حامل حقيقي فعال ومؤثر، وهذه هي المهمة المركزية الان في اي صراع بين معسكر دولة المكونات ومعسكر دولة المواطنة.
ليس افضل من يحمل راية دولة المواطنة من المواطن نفسه لانها دولته هو بالذات. فالمواطن هو المسؤول عن تحرير الدولة والمجتمع من المكوناتية، و ترسيخ عقيدة المواطنة، في معركة الاصلاح الجارية.
وهذا ما على الحراك الاجتماعي ان يقوم به فينبذ التعصب الطائفي والقومي الضيق، وينفتح على دائرة الانتماء الوطني العراقي الرحبة، ليس المطلوب من السني ان يترك فقهه السني ولا المطلوب من الشيعي ان يترك فقهه الشيعي ولا المطلوب من الكردي ان يترك لغته الكردية؛ انما المطلوب من الشيعي والسني والعربي والكردي وغيرهم ان يفصلوا بين الدولة وبين الانتماء الطائفي او العرقي، ويعملوا من اجل تأسيس دولة على الاساس الوطني فقط. وبناء على هذا الاساس وحده تُشكل الاحزاب وتُجرى الانتخابات وتُشكل الحكومة، بناء على هذا الصراع سوف يتحدد مستقبل العراق. فأما دولة المواطنة المستقرة والمزدهرة، واما دولة المكونات المنفتحة على مختلف الاحتمالات الوخيمة.
اضف تعليق