أورد المشرع العراقي في قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 نص المادة (45) والذي جاء فيه (أولا:- تؤسس هيئة تسمى (الهيأة العليا للتنسيق بين المحافظات) برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية وزراء البلديات والأشغال العامة، الاعمار والإسكان، العمل والشؤون الاجتماعية، التربية، الصحة، الزراعة، المالية، الشباب والرياضة، التخطيط، وزير الدولة لشؤون المحافظات والمحافظين ورؤساء مجالس المحافظات تتولى ما يأتي:-
1- نقل الدوائر الفرعية والأجهزة والوظائف والخدمات والاختصاصات التي تمارسها وزارات البلديات والأشغال العامة، الاعمار والإسكان، العمل والشؤون الاجتماعية، التربية، الصحة، الزراعة، المالية، الشباب والرياضة) مع اعتمادها المخصصة لها في الموازنة العامة والموظفين والعاملين فيها إلى المحافظات في نطاقها وظائفها المبينة في الدستور والقوانين المختصة بصورة تدريجية ويبقى دور الوزارات في التخطيط للسياسية العامة.
2- التنسيق بين المحافظات في كل ما يتعلق بشؤونها وإدارتها المحلية ومعالجة المشكلات والمعوقات التي تواجهها.
3- وضع آليات الإدارة الاختصاصات المشتركة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية المنصوص عليها في المواد (112/113/ 114) من الدستور.
4- النظر في تفويض الاختصاصات التي تطلبها الحكومات المحلية من الحكومة الاتحادية وبالعكس لإدارة المشاريع الاستثمارية وتسهيل إدارة المحافظات وفق أحكام المادة (123) من الدستور.
5- تنجز الهيأة أعمالها المشار إليها في الفقرة (1) أعلاه خلال سنتين اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون وفي حالة عدم إكمال هذه المهام تعتبر هذه الوظائف منقولة بحكم القانون.
6- تجتمع الهيأة كل شهرين مرة واحدة في الأقل وكلما دعت الحاجة.
7- تضع الهيأة نظاماً داخلياً لتنظيم اجتماعاتها ومتابعة أعمالها.
والمتتبع للتشريعات العراقية يجد أن جذور هذه الهيأة تعود إلى قانون المحافظات رقم (159) لسنة 1969 المعدل حيث أسس هذا التشريع لهيأة عليا للإدارة المحلية وحدد أعضائها واختصاصاتها بشكل مقارب إلى حد كبير مع اختصاصات الهيأة التنسيقية الموجودة اليوم في المادة (84).
وقد شهد قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم تعديلين في عامي 2010و2013 وكان التعديل الثاني هو الأكثر ارتباطاً بهذه الهيأة حيث أعيد النظر بتشكيليها ومنحت اختصاصات أثارت الجدل الفقهي والسياسي وصار موضوع انتقال الصلاحيات والدوائر الفرعية إلى المحافظات وهو أهم اختصاصات هذه الهيأة حديث القاصي والداني، وفي هذا المقال سنناقش العديد من المواضيع على رأسها ماهية هذه الهيأة وهيكليتها والية سير العمل فيها من اجتماعاتها الدورية واتخاذ القرارات في اجتماعاتها، ومدى إلزامية هذه القرارات، فالملاحظ أن المشرع العراقي لم يحسم مثل هذه الأسئلة وتركها عرضه للأخذ والرد، كما سنتعرض لمسألة مهمة هي مدى توافق اختصاصات الهيأة مع الدستور العراقي لعام 2005 والقيمة القانونية لقراراتها والوسائل وآليات القانونية والواقعية اللازمة لتنفيذها لاسيما ونحن ملزمون بسقف زمني حدده المشرع لابد ان يتم قبل انقضائه نقل الدوائر والصلاحيات والخدمات.
والموضوع يحتل أهمية كبيرة كونه مرتبط بأكثر المواضيع الحاحاً في الوقت الحاضر إلا وهو ملف الخدمات المقدمة للشعب العراقي ودور المحافظات في هذا الأمر.
وقد تقدمت الحكومة المركزية بطعن من خلال الأمانة العامة للمجلس الوزراء – الدائرة القانونية لدى المحكمة الاتحادية العليا في العراق إلا أن السيد رئيس مجلس الوزراء في اجتماع الهيأة العليا التنسيقية في محافظة البصرة في شهر كانون الأول 2014 تعهد بسحب الدعوى وبالفعل أتخذ مجلس الوزراء قراراً بسحب الدعوى في جلسة المجلس السادسة عشر يوم 30/12 /2014.
ومن الثابت لدى الفقه الدستوري أن الدعوى المرفوعة أمام المحاكم الدستورية ومنها المحكمة الاتحادية العليا في العراق ذات طبيعة موضوعية الخصم الحقيقي فيها هو القانون المشكوك بعدم دستوريته وما رافع الدعوى أداة لتحريك الرقابة التي كان المفترض أن تكون تلقائية ومن ثم على المحكمة الاستمرار بنظر الدعوى لحين التأكد من أن القانون لا يخرق الدستور وينتهك أحكامه ولذا هي لا تقبل التنازل لأنها ليست مجرد حق شخصي يقبل التنازل والصلح والصفح بل هي وسيلة لتحقيق غاية هي سمو الدستور وعلو أحكامه على الجميع حكاماً ومحكومين.
وأن شمول وزارة المالية بنقل الدوائر الفرعية والاختصاصات إلى المحافظات يخالف أحكام الدستور جهاراً نهاراً لكون المادة (110) من الدستور العراقي لعام 2005 تنص على اختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية وهي (رسم السياسة المالية والكمركية وإصدار العملة وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم والمحافظات في العراق ووضع الميزانية العامة للدولة،.....) (وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية) وهذه المهام لا تنهض بها إلا وزارة المالية الاتحادية، ومن الذي يقوم بوضع الموازنات غير وزارة المالية فهل يعقل نقل دوائرها الفرعية من مصارف وعقارات دولة وخزينة عامة للمحافظات.
ومن الملاحظ أن يكون نقل الصلاحيات حصراً الإدارية والمالية دون الفنية لكي يتفق ذلك مع الدستور العراقي لعام 2005 الذي نص بالمادة 122 منه على (تمنح المحافظات التي لم تنظم بإقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة بما يمكنها من إدارة شؤونها.
والقانون رقم 19 لسنة 2013 نص بالمادة (45) على (يبقى دور الوزارات في التخطيط للسياسة العامة) أي انه لم يوجب هيكلة الوزارات والغائها وإنما أبقى عليها لتخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة في إطار مجلس الوزراء عبر الأنظمة والتعليمات التي تصدرها في المسائل الفنية الدقيقة.
كما إن الواجب يقتضي أن يخول الوزراء رؤساء الدوائر السلطات الواسعة بما يمكنهم من إدارة شؤون الدائرة وتطبيق القوانين ذات العلاقة وبالخصوص قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 وقانون الملاك رقم (25) لسنة 1960 وقانون رواتب موظفي الدولة القطاع العام رقم (22) لسنة 2008 وقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 فعلى سبيل المثال عقوبة العزل لا يوقعها إلا الوزير، كذلك الترفيع والترقية لا يوقعها أو يشكل لجنتها إلا الوزير أو من يخوله قبول الاستقالة الإحالة على التقاعد التمديد لمن وصل السن التقاعدي وفق قانون التقاعد (9) لسنة 2014 وغيرها من الفرضيات وأن كنا نلتمس الحل بالمادة (31) التي منحت المحافظ سلطة وزير على الموظفين العاملين بالإدارة المحلية فهل يمكن أن تستخدم سلطته مع بقية الموظفين التابعين للدوائر الاتحادية التي ستنتقل للمحافظة.
..........................................
اضف تعليق